حيث يتم ويطم ، فقد تنام العين ولا ينام الأذن والقلب ، وإذا نام الأذن مع العين فقد نام القلب وهنا تغشية النعاس ، إذا فنوم العين نعاس ونوم الأذن إمارة لتغشية النعاس الباطن إلى الظاهر ، وهي من الحديث الأصغر ، فما لم يغشي النعاس كل الحواس لم يكن حدثا.
وفي المروي عن الإمام علي (عليه السلام) قال : ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي تحت الشجرة حتى أصبح» (١).
وتلك التغشية كانت ربانية «أمنة منه» تأمنكم من تعب النضال وخوف القتال ، عدة لكم لإصباح الحرب ، وهذه أمنة من الله حيث غشاكم النعاس ، فضمير الغائب إذا ذو مرجعين اثنين ، وتغشية النعاس في جبهات الحرب ، ولا سيما هذه الخطرة الضاربة ، إنها من نصر الله ، حيث المضطرب لا يأتيه النوم بطبيعة الحال ، فهذه التغشية لم تكن إلا من الله «أمنة منه» : من الله ، من العدو حتى غشاهم النعاس.
ذلك والخطر ناجم والعطش هاجم ، وتغلب المشركين على الحوض قائم ، وتسويل الشيطان ـ إذا ـ هائم ، فالتوتر مداوم ، فكيف ـ إذا ـ النعاس فضلا عن تغشيته ، اللهم إلّا بفضله ورحمته!
(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) ولو لا حدثية تغشية النعاس لم يكن في «ليطهركم» هنا دور ، إذ لم يسبق ذلك التطهير نجاسة خبثية ، أم حدثية أخرى لكي «يطهركم به» ثم (يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) منه حدث ثان ، وطبعا لبعض النائمين ، وليس إلا الجنابة ، حيث النوم لا يحمل إلا نفسه حدثا أصغر ككل ، أم ما قد تحصل فيه من جنابة وهي حدث أكبر.
والقول إن حدثية النوم ليست إلا لخروج الريح ضمنه حيث لا يملك النائم نفسه ، مردود بعدم قاطعية ذلك الخروج ، فهذا الإخراج لا يناسب
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٧١ ـ أخرج أبو يعلي والبيهقي في الدلائل عن علي رضي الله عنه ...