حدثية تغشية النعاس ، وأما حدثية الجنابة ـ وهي أحيانية في النوم ـ فهي مذكورة بنفسها (رِجْزَ الشَّيْطانِ) دون الريح غير المذكورة إلا تغشية النعاس التي تضمنها أحيانا ، ثم وإرسال (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) بعد (يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) رسل المسلمات ، دليل باهر أن حدثية النوم في السنة كانت حينذاك من المسلمات ، فاختلاف الفقهاء في حدثية النوم بشرط الاضطجاع وما أشبه أم دون شرط ، معروض على طليق «يغشيكم» الشاملة لحالتي النوم.
ذلك ، ومن رجز الشيطان ما وسوس في صدورهم في تلك الحالة الحرجة المرجة من عطش بإعواز ماء الشرب ، وأنهم كانوا مرمّلين تغوص فيه الأرجل ويرتفع منه الغبار ، فأذهب الله رجز الجنابة الجسمية ورجز الخوفة النفسية بذلك الماء.
ذلك ، ثم (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) طمأنة بتلك الطهارة ، وبرودة الهواء ، وثلوجة الأكباد الحرّى بشرب الماء ، وإزالة الغبار ، وتمكين الأرض ل (يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) في الرمال المبتلة وفي النضال (١).
__________________
(١) في نور الثقلين ٢ : ١٢٧ في تفسير علي بن إبراهيم حيث يستمر في قصة بدر قوله : وبلغ أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كثرة القريش ففزعوا فزعا شديدا وبكوا واستغاثوا فأنزل الله عزّ وجلّ على رسوله (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ) فلما أمسى قابل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وجنه الليل ألقى الله على أصحابه النعاس حتى ناموا وأنزل الله تبارك وتعالى عليهم السماء وكان نزول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في موضع لا يثبت فيه القدم فأنزل عليهم السماء ولبد الأرض حتى ثبتت أقدامهم وهو قول الله تعالى : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) وذلك أن بعض أصحاب النبي احتلم ، وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام وكان المطر على قريش مثل العزالى وكان على أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) رذاذا بقدر ما لبد الأرض وخافت قريش خوفا شديدا فأقبلوا يتحارسون يخافون البيات.
وفي الدر المنثور ٣ : ١٧١ ـ أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريح عن ابن عباس أن المشركين غلبوا المسلمين في أوّل أمرهم على الماء فظمئ المسلمون وصلوا مجنبين محدثين فكانت بينهم رمال فألقى الشيطان في قلوبهم الحزن وقال : أتزعمون أن فيكم نبيا وإنكم أولياء الله وتصلون مجنبين محدثين فأنزل الله من السماء ماء فسال عليهم الوادي ماء فشرب المسلمون وتطهروا وثبتت أقدامهم وذهبت وسوسته.