فلقد كانوا في الرمل بعطشهم غير ثابتي الأقدام في الإقدام على الحرب نفسيا ، وإقدام الأقدام رمليا ، فثبتت أقدامهم ، وبت إقدامهم. ورجز آخر هو وسوسة الشيطان أن كيف ـ وأنتم على حق ـ يعطشكم ربكم ويروى أعداءكم ، وثبتت أقدامهم متربا ، ويوهيها لكم مرملا ، فقد عكس المطر كل المحاسبات الشيطانية الدخيلة في صدور البعض من المؤمنين.
وهذه التغشية المطمئنة بإنزال الماء من السماء كانت بعد ما سبقهم المشركون إلى الماء فنزلوا على كثيب رمل فأحدثوا نائمين بنوم ككلّ ، وبجنابة بعضا ، فوسوس إليهم الشيطان أن عدوكم سبقكم الماء وأنتم محرومون عنه ، فأمطر الله عليهم فتطهروا وتلبّدت به أرضهم إيحالا لأرض العدو وإيغالا له في أوحال إذ لم يكونوا مرملين.
ذلك ، وان غزوة بدر الكبرى بملابساتها الخطرة الوعرة مضت في تاريخ الإنسان مشرقة باهرة ، ظاهرة قاهرة من مظاهر الإيمان على الكفر دون مكافحة ظاهرة ، تقريرا قريرا لدستور النصر والهزيمة ، وكشفا عن أسباب النصر وأسباب الهزيمة ، كتابا مفتوحا تقرءه الأجيال طول الزمان وعرض المكان ، دون تبدل لدلالتها ، ولا تغير بطبيعتها ، فإنها من آيات الله الكبرى على مدار الزمن.
ولقد تمتد بدر بمداد الإيمان الصالح ، تمتد متجاوزة الجزيرة العربية إلى سائر الأرض ، وزمن الرسول إلى سائر الزمن ، ما دامت شروطات النصر الإيماني مستمرة ، وشريطات الملابسات بين المتحاربين مسموعة متسامعة.
ولأن حرب بدر الكبرى هي الأولى بعد الهجرة بردح قليل من الزمن ، فقد كمنت تحديا قويا قويما لجانب الكفر أن يحاسب حسابه بغير
__________________
ـ وفيه أخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يصلي تلك الليلة ليلة بدر ويقول : اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد وأصابهم تلك الليلة مطر شديد فذلك قوله : وليثبت به الأقدام.