وجه العدّة والعدّة الظاهرة ، وليفكر كيف أن فئة قليلة مهاجرة من العاصمة خوفة القضاء عليها برسولها ، عائشة في غربة عن الوطن المألوف ، فاقدة لكل عدة وعدة لتلك الحرب غير المتكافئة ، كيف تتغلب هذه الفئة القليلة على تلك الفئة الكثيرة ، فتقتل منهم كثيرا وتأسر نفس العدد ، ولا يقتل منها إلّا أربعة عشر وهم خمس قتلاهم ، ولم يكونوا إلّا ثلثهم عددا ومعشاراتهم في ظاهرة العدد!
وهنا مثلث في تاريخ الإنسان من هذا العدد الكريم ، فقبل الإسلام عديد جند طالوت حيث هم أمام جالوت القدّار الغدّار (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ).
ثم في بدر الكبرى بصورة أجلى وملابسات أعجب وأعلى ، ومن قدسيتها : «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سافر إلى بدر في رمضان وافتتح مكة في رمضان»(١).
ومن ثم في دولة القائم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حيث يتغلب بأصحاب ألويته ـ وهم نفس العدد ـ على كافة الكفار والمشاغبين! (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ)(١٢).
«ويريد الله أن يحق الحق إذ تستغيثون ربكم إذ يغشيكم النعاس ويثبت به الأقدام إذ يوحي ربك» تحقيقا لوعده سبحانه (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ).
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ) الألف المردفين «أني معكم» معية خاصة في مسرح بدر لتكونوا مع هؤلاء المؤمنين حضورا كأنكم بشر أمثالهم محاربين (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) أقدامهم على النضال ، وإقدامهم على القتال أن تحدثوهم بذلك التثبيت حتى يثبتوا ، فقد ثبّتهم الله بما أنزل من السماء
__________________
(١) بحار الأنوار ١٩ : ٢٧٣ عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام).