المواجهة ، أم وكل قوة يحصل عليها في ذلك التولي ، فأما التولي فرارا ، أم والتولي دون عائدة في الرجوع ، فغير مسموح للمناضل بتّا.
ف «من انهزم حتى يجوز صف أصحابه فقد باء بغضب من الله» (١).
وهنا لمحة من الضمائر المفردة أن استثناء المنع عن تولي الدبر ليس يشمل توليه جميعا ، بل هو تولي الأفراد تحرفا لقتال أو تحيزا إلى فئة.
وترى هنا (باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ليست لتستثنى؟ ولقد عفى الله عنهم يوم أحد : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (٣ : ١٥٥)
ويوم حنين : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٩ : ٤٦).
إذا فالفرار من الزحف هو كسائر الكبائر من موارد المغفرة بالتوبة الصالحة (٢).
(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(١٧).
__________________
(١) في تفسير العياشي عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) في الآية وذكر هذه الجمل الثلاث المذكورة في المتن.
(٢) وقد روى أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي من حديث ابن عمر قال : كنت في سرية من سرايا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فحاص الناس حيصة وكنت فيمن حاص فقلنا : كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ، ثم قلنا : لو دخلنا المدينة فبتنا؟ ثم قلنا : لو عرضنا نفوسنا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فإن كان لنا توبة وإلا ذهبنا ، فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال : من الفرارون؟ فقلنا : نحن الفرارون ، قال : بل أنتم العكارون ، أنا فئتكم وفئة المسلمين ، قال : فأتيناه حتى قبلنا يده.