بعد هذه الخوارق لعادات الحرب وتكتيكاتها ، في هذه الهزيمة العظيمة للمشركين الكثرة بالمؤمنين القلة ، لم يكن عاملها وعامل هزيمتهم لا الرسول ولا المؤمنون (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) في الحق بطاقاتكم البشرية العاديّة (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) بما نصركم في حلقات ظاهرة وباطنة.
(وَما رَمَيْتَ) رمية الحرب وما أشبه (إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) حيث هداك ونصرك وعبّد لك طريق النصر ، هذه الشائكة الخطرة الملتوية ، (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) ـ (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) ـ (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ) بذلك القتل الرباني وليبلى (بَلاءً حَسَناً) حتى يلمسوا نصر الله ، تحقيقا لوعد الله واستغاثتكم (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
ذلك ، ومع أنا لا نجد قتلات ورميات للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في هذه المعركة ، نجد الرمية ـ وكأنها هي الوحيدة ـ خاصة بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في هذه التصريحة اليتيمة ، فما هي هذه الرمية البارزة بين كل رمية.
إنه ليس الواجب الهام على قائد القوات المسلحة أن يتولى القتلة والرمية بنفسه ، فإنما مهمته قيادته الحكيمة وخطته العاقلة في كل رمية وقتلة ، وإذا تصح نسبة كل المحاصيل الحربية إلى القائد نفسه ، رغم عدم خوضه لأصل المعركة بنفسه ، أم وعدم حضوره فيها ، فضلا عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) الخائض بنفسه هذه الحرب ، مخططا لها بنفسه منذ خروجه من المدينة حتى الإنتصار الكامل.
وهنا اختصاص الرمية المنفية بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وتعميم القتلة المؤمنين معه ، دليل اختصاص الرمية القيادية به ، رميا للقوات الإيمانية إلى صفوف المشركين بما رمى.
ففي نقطة الانطلاق نجد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو البادئ والمحرض (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) ثم قبل المواجهة (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) (٤٣) وعند الإستغاثة غوثا وغيثا هو المستغيث أولا :