بين سمعه ومسموعه ، بين ذوقه ومذوقه ، بين حسه ومحسوسه ، وبين كل كيانه وما يهواه ، وحيلولته بين المرء وقلبه هي حيلولة بينه وبين كل كيانه ، وهو القائل (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) منه إلى نفسه وحياته ككل ، وهذه الحيلولة الشاملة هي من قضايا ملكه الطليق للكائنات كلها.
وليس يكفي للمرء أن يعقل صحيحا ، فكثير هؤلاء الذين يعقلون ثم لا تطمئن قلوبهم بما عقلوه لأن قلوبهم مقلوبة مطموسة مركوسة فلا تستجيب.
ذلك ، وبوجه آخر تعني هذه الحيلولة أن الله لا يغيب عن أي قلب مهما تناكر وتجاهل ، فقد يغيب عن القلب أي حاضر أو غائب ولا يغيب الله عنه قضية الفطرة المجبولة على معرفة الله ، فلا عاذرة في عدم استجابة الله (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ).
فقد تعرفه القلوب ، ويعرف هو القلوب وما في القلوب ، وهو يقلبها كيف يشاء ، فهو المرجع والملجأ في تقلب القلوب فالعقول فالأفكار فالحواس فالأعضاء (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).
وهذا المقطع القاطع من آية الاستجابة هذه يحلّق على جذور المعارف الربانية ، قاطعا أعذار المتجاهلين المتكاسلين دعوة الله ، قالعا غرة النفاق ، وغرور الإيمان الوفاق ، أن المؤمن ـ أيا كان ـ ليس ليستقل في إيمانه فتزول به نكبة الغرور نكسة للغرور ، وهو عبارة أخرى عن (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ).
ذلك ، ومن حيلولته تعالى بين المرء وقلبه قربه إليه أقرب من نفسه إلى نفسه ، ف (نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٥٠ : ١٦).
ومنها أن ينسيه ما ذكره أو يذكره ما نسيه ، فإن القلب بين أصبعي الرحمان ، ومنها أن يزيل عنه عقله وتميزه ، حيلولة لإزالته ، أم لتخفيفه ، أم ولتثبيته ، فلا فاعلية للقلب ولا عطلة إلا بإرادته تعالى حسب القابليات والفاعليات ، وهكذا يحول بين قلب الكافر وبينه تجميدا لصميم قصده السيء الخطر ، كما يحول بين قلب المؤمن وبين نفسه تأييدا له في فعل