نحن أهل البيت منها بمنجاة ، ولسنا فيها بدعاة ، ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم بمن يسومهم خسفا ، ويسوقهم عنفا ، ويسقيهم بكأس مصبّرة ، لا يعطيهم إلا السيف ، ولا يجلسهم إلا الخوف فعند ذلك تود قريش بالدنيا وما فيها لو يرونني مقاما واحدا ، ولو قدر جزر جزور لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطوننيه (الخطبة ٩٢).
«فاتقوا سكرات النعمة ، واحذروا بوائق النقمة ، وتثبتوا في قتام العشوة واعوجاج الفتنة ، عند طلوع جنينها ، وظهور كمينها ، وانتصاب قطبها ، ومدار رحالها ، تبدو في مدارج خفية ، وتؤول إلى فظاعة جلية ، شبابها كشباب الغلام ، وآثارها كآثار السلام ، تتوارثها الظلمة بالعهود ، أولهم قائد لآخرهم ، وآخرهم مقتد بأولهم ، يتنافسون في دنيا دنية ، ويتكالبون على جيفة مريحة ، وعن قليل يتبرأ التابع من المتبوع ، والقائد من المقود ، فيتزايلون بالبغضاء ، ويتلاعنون عند اللقاء ، ثم يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف ، والقاصمة الزحوف ، فتزيغ قلوب بعد استقامة ، وتضل رجاء بعد سلامة ، وتختلف الأهواء عند هجومها ، وتلتبس الآراء عند نجومها ، من أشرف لها قصمته ، ومن سعى فيها حطمته ، يتكادمون فيها تكادم الحمر في العانة ، قد اضطرب معقود الحبل ، وعمي وصية الأمر ، تغيض فيها الحكمة ، وتنطق فيها الظلمة ، وتدق أهل البدو بمسحلها ، وترضهم بكلكلها ، يضيع في غبارها الوحدان ، ويهلك في طريقها الركبان ، ترد بمر القضاء ، وتحلب عبيط الدماء ، وتثلم منار الدين ، وتنقض عقد اليقين ، تهرب منها الأكياس ، وتدبرها الأرجاس ، مرعاد مبراق ، كاشفة عن ساق ، تقطع فيها الأرحام ، ويفارق عليها الإسلام ، بريها سقيم ، وظاعنها مقيم» (الخطبة ١٥١).
ذلك ، ومن واجهة أخرى لأن خطاب التحدير التحظير عام يعم كافة المؤمنين ، إذا ف «فتنة» عامة تشملهم أجمع بما ظلم ظالمهم ، كفتنة التفرق والتمزق من المفرقين بين المسلمين ، والاتقاء فيها درجات ، منها التقوى عن الدخول في الفتنة مسايرة معها أم عملا أو عمالة لها ، ومنها الصد عنها نهيا عن نكيرها قدر المستطاع ، ففتنة المنكر الجماعي تشمل