غير الظالمين الذين ظلوا عنها ساكتين لا يقومون بواجب الأمر والنهي ، وتشمل ـ شيئا ما ـ القائمين بهما إذا لم يتمسكوا بكامل التقوى إمساكا على إيمانهم ، وكما تشمل القصّر العاجرين عن الأمر والنهي ، والتقوى العامة المفروضة على الكل في هذه الفتن ألّا يسقطوا فيها ، ثم المفروضة على الخاصة أن يزيلوها أو يقلّلوها.
ففي فتنة السلطات غير الشرعية زمنية وروحية تتساقط الشعوب بين أيديها قدر تخاذلها أمامها ، تسايرا معها ، أم تركا للمعارضة الممكنة ضدها ، أم فسحا لمجال ظهورها في مظاهرها ، والتقوى العامة المفروضة على كل المؤمنين في هذه الفتن أن يتقوا السقوط فيها تجاوبا معها ، حفاظا على بقية الإيمان وبغيته ، ومعارضتها قدر المستطاع.
وهنا «لا تصيبن» نهي مؤكد بالثقيلة ، لمحة إلى ثقل الفتنة الشاملة ، وقد نفيت عن إصابة الظالمين خاصة ، لأنها فتنة عامة تعني ـ بطبيعة حالها ـ المجموعة ، والواجب في حقلها درجات من التقوى قدر المستطاع إزالة إياها أم ـ لأقل تقدير ـ عدم السقوط فيها.
ذلك ، وبوجه عام واجب المؤمنين أمام الفتنة الظالمة عامة وخاصة أن يصدوا عنها بداية واستمرارية ، أم ـ لأقل تقدير ـ ألّا يسايروها ويتماشوا معها أو يسقطوا فيها.
فالجماعة التي تسمح لفريق منها بظلم في أية صورة من صورها ، أو تسكت متجاهلا عنه ، ولا تقف في وجهه ، إنها جماعة تستحق أن تؤخذ بجريرة الظالمين.
إذا ف «اتقوا» صدور فتنة ، أم تزايدها ، أم المزايدة فيها ، أم السكوت عنها بعد ما حصلت ، أم التأثر بها ، فواجب التقوى أمام هذه الفتن العامة درجات حسب الإمكانيات ، لا ـ فقط ـ الاتقاء عن التأثر بها.
(فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) لأنها فتنة عامة ، أم شارك فيها غير الظالمين إلى الظالمين ، فأصبحوا معهم من الظالمين المستحقين لها.