فهذه الفتن الجماهيرية هي مثلثة الجهات : الظالمين ، والمقصرين أمامهم تركا لواجب الردع عن الظلم ، والقاصرين الذين لا صيت لهم في حقل الظلم ولا صوت ، فهي لهم فتنة غفرا وارتفاع درجة ، وللأولين فتنة جزاء لما ظلموا أصولا وأتباعا.
ذلك و «ذمتي بما أقول رهينة ، وأنا به زعيم ، إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات حجزته التقوى عن تقحم الشبهات ، ألا وان بيتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي بعثه بالحق لتبلبلن بليلة ، ولتغربلن غربلة ، ولتساطن سوط القدر ، حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم ، وليسبقن سابقون كانوا قصروا ، وليقصرن سباقون كانوا سبقوا ، والله ما كتمت وشمة ، ولا كذبت كذبة ، ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم ، ألا وإن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها ، وخلعت لجمها فتقحمت بهم في النار ، ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها وأعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة ، حق وباطل ، ولكل أهل ، فلئن امر الباطل لقديما فعل ، ولئن قل الحق فلربما ولعل ، ولقلما أدبر شيء فأقبل» (الخطبة ١٦).
(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٢٦).
«واذكروا» أيها المؤمنون (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) كما في العهد المكي (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) النسناس نقمة إيمانكم وكفرهم «فآواكم» هجرة إلى المدينة (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) في حرب بدر وسواها (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
هذا ، وبصورة عامة قد يشمل الخطاب كافة الأميين قبل الإسلام حيث كانوا خطف الخاطفين من الروم والفرس (١) : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٧٧ ـ أخرج الشيخ وأبو نعيم والديلمي في مسند الفردوس عن ابن