(يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) بين الحق والباطل ، والصالح والطالح ، والفالح والكالح ، نورا تمشون به في ظلمات الأرض فتهتدون إلى خيرات ، وإذا ما ابتليتم بسيئات فالتة أم خيرات فائتة (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
«فاتقوا الله عباد الله ، وفروا إلى الله من الله ، وامضوا في الذي نهجه لكم ، وقوموا بما عصبه بكم» (الخطبة ٢٤).
أجل (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (٦٥ : ٣) فهنا على ضوء تقوى الله تقوى على إبصار الحق في خضمّ الباطل حيث يجعل الله لك مخرجا عن المضايق ، وفرقانا لمعرفة الحقائق : «ولو أن السماوات والأرضين كانتا على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجا» (الخطبة ١٢٨) وإلى الفلاح مبلجا.
وهنا فرقانان بين الحق والباطل ، فرقان بما نحاول كإتقان اللغة والأدب والبلاغة والفصاحة ثم التفكير والتدبر الصالح في القرآن ، وما هو إلا كعصمة بشرية لا تطلق الإنسان إلى الصواب إلّا القدر المحدّد المحدود بالطاقة البشرية.
وفرقان ثان نحصل عليه بتقوى الله بما يجعل الله : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) وهو المنضم إلى الفرقان الأول يطلق صاحبه إلى الصواب الطليق في تفهم القرآن ، فكما العصمة الربانية حين تنضم إلى العصمة البشرية تتم العصمة وتطم ، كذلك الأمر في الفرقان الرباني المنضم إلى الفرقان البشري.
صحيح أنه ما لم يكن فرقان أوّل لا ينتج فرقان ثان النتيجة المطلوبة ، اللهم إلا عرفانا بالله وزائد الإيقان ، ولكنه هو المحور الأصيل الذي ليس عنه بديل في تكملة الفرقان الأوّل.
فلأن القرآن نور مطلق ، فلا يوصل إلى عمقه إلا بنور من الله وفرقان ، فهنالك مجمع فرقانين ، فرقان القرآن وفرقان الرحيم الرحمان لتفهّم القرآن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
ففي مربع السلب والإيجاب لمسرح فرقان وفرقان ، نجد صاحب