الفرقانين حاصلا على البغية الصالحة ، الخليصة غير الخليطة ، ولصاحب الفرقان الأول قدر ما يتقن من وسيلة الوصول إلى الحق ، ولصاحب الثاني وصول أقوى ، ولفاقدهما خواء وبواء ، فطالما الفرقان الأول وسيلة غير طليقة ولكنما الثاني معه وصيلة طليقة كما وعد الله.
«واعلم أنه من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن ونورا من الظلم ، ويخلده فيما اشتهت نفسه ، وينزله منزل الكرامة عنده ، في دار اصطنعها لنفسه» (الخطبة ١٨١) ـ «ألا فصونوها وتصونوا بها ، وكونوا عن الدنيا نزاها ، وإلى الآخرة ولاها ، ولا تضعوا من رفعته التقوى ، ولا ترفعوا من رفعته الدنيا» (الخطبة ١٨٩) ـ
«أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله الذي ابتدأ خلقكم ، وإليه يكون معادكم ، وبه نجاح طلبتكم ، وإليه منتهى رغبتكم ، ونحوه قصد سبيلكم ، وإليه مرامي مفزعكم ـ
فإن تقوى الله دواء داء قلوبكم ، وبصر عمى أفئدتكم ، وشفاء مرض أجسادكم ، وصلاح فساد صدوركم ، وطهور دنس أنفسكم ، وجلاء عشا أبصاركم ، وامن مفزع جأشكم ، وضياء سواد ظلمتكم ـ فمن أخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد دنوها ، واحلولت له الأمور بعد مرارتها ، وانفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها ، وأسهلت له الصعاب بعد انضبابها ، وهطلت عليه الكرامة بعد قحوطها ، وتحدبت عليه الرحمة بعد نفورها ، وتفجرت عليه النعم بعد نضوبها ، ووبلت عليه البركة بعد إرذاذها» (الخطبة ١٩٦) ـ
أجل فالتقوى هي الزاد ، عدة للطريق الملتوية الصعبة ، حيث تحيي القلوب وتوقظها وتستجيش فيها أجهزة الحذر والحيطة والوقاية ، كاشفة منحنيات الطريق ودروبه مدّ البصر والبصيرة ، دون غبش للشبهات الحاجبة للرؤية.
وإنها فرقان في كل خليط ، كاشفة منعرجات الطريق ، فطالما الهوى ينشر الغبش وتعمي المسالك وتخفي الدروب ، فالتقوى هي متراس ونبراس تنير الدرب على السالكين ، مزيلة كل غبش.
«فاتقوا الله تقية من سمع فخشع ، واقترف فاعترف ، ووجل