وترى العذاب المنفي (ما دُمْتُ فِيهِمْ) هو مطلق العذاب الشامل لقتلهم؟
وقد قتل جمع منهم في غزوات! إنه عذاب الاستئصال كما لم يعذبوا به ما كان (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيهم ، ثم (ما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) تعم إلى عذاب القتال عذاب البرزخ والقيامة.
ذلك ، فقد يعذبون بعد ارتحال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عنهم وهم لا يستغفرون ، بعذاب الاستئصال وما أشبه ، الواقع على سالفة الأمم المتخلفة عن شرعة الله.
وليس عذاب القتال ينافي كونه (صلّى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين ، فان فسح المجال للمكذبين الفاتنين ينافي أصل الرحمة الأصيلة المحمدية حيث يستأصل دعوته ، وإنما هي الرحمة التي لا تشكل زحمة على الذين آمنوا.
أجل ، إنها رحمة ربانية ـ إكراما لمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ـ تشملهم فتمهلهم فلا يأخذهم الله عجالة بعذاب الاستئصال الاستعجال ، مهما يؤخذون بسائر العذاب قضية صدهم عن سبيل الله وعن المسجد الحرام ، فصدهم بقتال وسواه عما يصدون ، فليس ليصدهم عن ذلك العذاب ما يدعونه من كونهم ورثة إبراهيم وسدنة البيت الحرام ، أم لأنهم أولياء الله ، فإنهم أعداء الله وأعداء البيت الحرام ومغتصبوه ، وليس البيت الحرام ميراثا حتى لو كان ميراثا من إبراهيم ، بل هو البيت العتيق عن كل اختصاص بوجه خاص ، اللهم إلا لأولياء الله المتقين.
ذلك فقد يعذبهم الله دون هذين الشرطين دون عذاب الاستئصال (وَأَنْتَ فِيهِمْ) (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) :
(وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٣٤).