بصيرة ، (وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) كهذه الناصعة الناصحة لكتلة الإيمان (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ) مقالهم ومقالكم «عليم» بحالهم وحالكم.
فقد كانت المعركة شاخصة بمواقع فريقي الكفر والإيمان ، شاهدة بالتدبير القاصد الخفي ، فقد خرج جيش الإيمان من المدينة ونزل بضفّة الوادي القريبة منها ، ونزل جيش الكفر بقيادة أبي جهل بالضفّة الأخرى البعيدة عنها ، وبين الفريقين ربوة تفصلهما وأمّا قافلة العير فقد مال بها أبو سفيان إلى سيف البحر أسفل من الجيشين ، موقع الجيشين كصدفة ولكنها قاصدة ربانية بتلك الدقة والضبط (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً).
لقد هلك جيش الكفر عن بينة وكما قالوا لحليفهم الذي أراد أن يمدهم بالرجال وهم ذاهبون لوجه القتال : إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فوالله مالنا بالله من طاقة وإن كنا نقاتل الناس فوالله إن بنا على الناس لقوة ، والله نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدرا فنشرب فيها الخمور وتعزف علينا فيها القيان فإن بدرا موسم من مواسم العرب وسوق من أسواقهم حتى تسمع العرب بهذه الواقعة (١).
فحين يهلكون بهذه الذكرى بالكفر فقد هلكوا ـ إذا ـ عن بينة ، وهذه ضابطة ربانية أن كلا من الهلاك والحياة الروحيين هما عن بينة من الله وكما
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ١٦ : ١٧٢ في قصة خروج المشركين من مكة لمقاتلة المسلمين : فلما وردوا الجحفة بعث الحقاف الكناني ـ وكان صديقا لأبي جهل ـ إليه بهدايا مع ابن له فلما أتاه قال : إن أبي ينعمك صباحا ويقول لك : إن شئت أن أمدك بالرجال أمددتك وإن شئت أن أزحف إليك بمن معي من قرابتي فعلت فقال أبو جهل : قل لأبيك جزاك الله والرحم خيرا إن كنا نقاتل الله كما يزعم.