(عليه السلام): صنع منهم ما اكتفى به (١) وكفى بحكم الفطرة حجة.
ذلك هو التفسير المفهوم للآية المقبول لدى العقول ، وهو القدر المتيقن بما تعنيه ، مهما روي بجنبه عالم آخر هو الآخر يسمى الذر لا نعرف معناها ومغزاها (٢) إلّا البعض مما تضاد الآية ، والواقع المعقول بحق القبول.
وهنا يتجلى الحق في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٤ : ٤٨) فما فوق الشرك هو الإلحاد في الله بنكران وجوده فبأحرى لا يغفر أن ينكر إذا لا يغفر أن يشرك به ، وما دون ذلك هي كافة المعاصي دون الشرك ، يغفرها على شروطها ، وطبعا عدم الغفران لمن يشرك به ليس في حياة التكليف ، إنما هو من مات على الشرك.
لا يغفر أن يشرك به لأنه خلاف حكم الفطرة من زاوية ، وخلاف حكم العقل من أخرى ، حيث التصديق بوجود الإله الخالق والإشراك به في شأن من شؤون الألوهية لخلق من خلقه ، إنه تسوية برب العالمين وذلك هو الضلال المبين : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٢٦ : ٩٨) فكيف إذا ترك عبودية الله إلى عبودية غير الله ، فإنه أظلم من تلك التسوية الظالمة الضالة ما أظلمه.
__________________
(١) قد مضى حديثه أخيرا تحت الرقم (١) حول هوامش تفسير الذر بالفطرة وفي تفسير العياشي عن رفاعة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)؟ قال : نعم لله الحجة على جميع خلقه أخذهم يوم أخذ الميثاق وهكذا وقبض بيده.
(٢) وفي تفسير البرهان ٢ : ٤٩ ح ٢٠ ـ ابن بابويه بإسناد متصل عن الفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) في حديث طويل قال قال الله عزّ وجلّ لجميع أرواح بني آدم : ألست بربكم قالوا بلى ، كان أول من قال بلى محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فصار بسبقه إلى بلى سيد الأولين والآخرين وأفضل الأنبياء والمرسلين.