وهنالك تتم الحجة البالغة الإلهية.
صحيح أن العقل الإنساني حجة رسمية راسمة لتكاليف الشرعة ، حاسمة كل عاذرة أمام الشرعة ، ولكن الذي لا يعقل كما الإنسان العاقل ، يكلّف قدر تمييزه مهما لم يكن كتكليف العاقل ، فإذا كانت الدواب كلها تحشر لتطبيق الجزاء الوفاق : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٦ : ٣٨).
فبأحرى الإنسان سفيها أو مجنونا أو قاصرا أن يكون مسئولا قدر تمييزه ، وكما «إن الله يداق العباد في الحساب يوم القيامة على قدر عقولهم» كذلك الدقة في الحساب للدواب وغير العقلاء من الإنسان على قدر تمييزهم!
ذلك (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أنفسية كما نفصلها آفاقية (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إليها بادئين بآيات الفطرة ، حيث تتبنى الإنسانية كأول خطوة.
ذلك هو التجاوب المفهوم بين آيتي الفطرة والذرية ، فإذا كانت الثانية متشابهة فالأولى المشرقة بنسبتها تفسرها ، ونصدق فيها تفسير الروايات الملائمة لها ، ونكذب المخالفة لصراحة أو ظهور مستقر فيهما ، ونرد المشكوك إلى قائله دون رد ولا قبول.
وذلك هو العهد الأول ، المعهود في الفطرة ، حيث يندّد بهم الله في نقضه : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٣٦ : ٦٠) فالعهد إليهم كلهم ليس إلّا عهد الفطرة ، حيث المجانين والعائشين في الفترة والقصّر خارجون عن عهد الشرعة ، ثابتا فيهم عهد الفطرة.
كذلك (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)(٧ : ١٠٢). عهد لزام الفطرة ، هو حزام صارم لذوي الفطرة ، لا يعذرون في إشراكهم بالله على أية حال ، وعلى حد تعبير الإمام الصادق