حيث تسحب معانيها الخلقية عند المجاهيل إلى الخالق سبحانه ، فلا بد من تجريدها عن المعاني الخلقية ، كما لا بد من تجريد المستعملة في الخلق عن المعاني الخالقية كلفظ الخالق.
ولأن (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) تحمل معنى غامضا قلما يعيه المعنيون بها المخاطبون ، لذلك صيغت آية الفطرة بصيغة المسائلة ، وفي تجاوب رائع بالغ بين الآيتين يلمع المعني منهما لمن أمعن النظر فيهما ، ففي كلّ تشابه من جهة وإحكام من أخرى ، توضّح كلّ تشابه الأخرى هي الأخرى في توضيح الأولى كما بينا ، والله أعلم بما يعنيه وليس علينا ولا لنا إلّا الإمعان في القرآن لنتروى من معين معانيه.
ذلك ، والفطرة الإنسانية لا تشذ نسمة قط وكما يروى عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): «ما من نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة» (١) «كل إنسان تلده أمه على الفطرة» (٢) «الحمد لله الذي هداك للفطرة» (٣).
تلحيقة حول (فِطْرَتَ اللهِ) :
إن (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) هي الذاتية العريقة الإنسانية منذ (أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) وهو الروح الإنساني ، وعلى مدار حياته صغيرا وكبيرا عالما وجاهلا عاقلا ومجنونا ، فطالما العقل يأتي بعد ردح من خلق الروح ، وقد يزول بالجنون ، ولكن الفطرة الإنسانية ليست لتزول ، فهي ما به الإنسان إنسان وما أشبه من نفسياته ، ومهما زال عن الإنسان أي شيء منه ليست لتزول عنه الفطرة الإنسانية.
ولأن المعرفة الربانية الصالحة ليست إلا بذريعة العصمة الربانية ، فالمعرفة الفطرية الخالصة هي الصالحة ، وسائر المعرفة كالسة فالسة مهما
__________________
(١) المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي (١٧٩) حم ٣ ، ٤٣٥ ، ٤ ، ٢٤.
(٢) المصدر م قدر ٢٥.
(٣) المصدر في تفسير سورة ١٧ ، ٣ ، أشربة ١ ، م اشربة ٤١ ، دى أشربة ١.