كانت لا عقل العقلاء ، إلّا إذا تبنى في معرفته فطرته الخالصة غير المحجوبة بأي حجاب ، وهنا يعرف المعني من قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «من عرف نفسه فقد عرف ربه» حيث المعروف من النفس ، الذي يعرف به الرب ليس إلا أنفس أبعاد النفس الإنسانية وأمسها بذات الإنسان وهو (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) وعلى حد تعبير الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): «ما من مولود إلا يولد على الفطرة» (١) فطالما العقل ـ فضلا عن الحس ـ قد يخطأ حتى في المستقلات العقلية ، فضلا عن غيرها ، ليست الفطرة لتخطئ في المستقلات الفطرية ، فهي كنز للعقل يتبناها في سلوكه إلى الله ، مستنيرا من شرعة الله في تعاليه.
فقد يرسم هندسة الإنسانية الصالحة مثلث الفطرة والعقلية والشرعة ، فالعقلية الصالحة هي الوسيطة بين الفطرة كأصل الدين وأثافيّه ، وبين الشرعة كتكملة له ، فالعقل المستفيد بين مستفادين معصومين تكوينا هو الفطرة وتشريعا هو الشرعة ، وكما لا تبديل لشرعة الله في أصلها ، كذلك (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) : فطرت الله ، وإنما العقل يتكامل بين هذين معرفيا وعمليا ، كلما ازدادت المعرفة إزداد العمل الصالح ، عدّة وعدّة ، وكلما إزداد العمل الصالح بعدته وعدته ، ازدادت المعرفة ، فالمعرفة والعمل الصالح هما جناحان للطائر القدسي الإنساني براحلة العقل وزاد الفطرة والشرعة ، «ولا ينبئك مثل خيبر».
ذلك ، فمن «عرف نفسه» هكذا «فقد عرف ربه» قدر المقدور والمقدر من صالح السلوك إلى الله ، ومن لم يعرف نفسه لم يعرف ربه ولا سواه ، حيث الجاهل بنفسه هو أجهل بغيره دون ريب ، فمن ضل عن نفسه فقد ضل عن ربه ومربوبيه ، فهو ضال عن الحياة الإنسانية عن بكرتها.
__________________
(١) مفتاح كنوز السنة نقلا عن بخ ك ٢٣ ب ٨٠ و ٩٣ ، ك ٦٥ سورة ٣٠ ، ك ٨٢ ب ٣ مس ـ ك ٤٦ ح ٢٢ ـ ٢٥ بد ـ ك ٣٩ ب ١٧ تر ـ ك ١٦ ح ٥٢ حم ـ ثان ص ٢٣٣ و ٢٥٣ و ٢٧٥ و ٢٨٢ و ٣١ و ٣٤٦ و ٣٩٣ و ٤١٠ و ٤٨١ ، ثالث ص ٢٥٣ و ٤٣٥ ، رابع ص ٢٤ ط ـ ح ٢٣٥٩ و ٢٤٣٣ قد ـ ص ٣٦١.