اغتنام هذه الفرصة المتيحة لنا لنسمعه كلام الله ، فإن سمع مؤمنا فإلى جيش الإسلام ، وإن سمع مترددا مترويا «فأبلغه مأمنه» وإن سمع غير سامع فلم تحصل ـ إذا ـ الغاية المعنية من إجارته وهي (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) فلا إبلاغ إلى مأمنه ، بل هو كسائر المشركين غير المستجيرين ، اللهم إلا إذا لا يشكل خطرا على الصف الإسلامي ، فمجرد استجارته يفرض إجارته.
فالحملة الإسلامية على المشركين ليست حملة إبادة ، بل هي حملة هداية ما وجدت إليها سبيلا ، أم إيقافا لفتنة المشركين.
ذلك ، فقد تشمل (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) المستجير الذي سمع كلام الله ولم يؤمن ، ولكنه لا ينوي محاربة المسلمين على أية حال ، فهذا أيضا (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) فإنما هنا مسرح واحد لقتالهم هو قتالهم أو اغتيالهم أو تضليلهم المسلمين ، وإلّا فلا ملاحقة إلا لاهتدائهم إلى الحق ، وإلا فلا سلب ـ إذا ـ معهم ولا إيجاب ، حيث القتال إنما يعني إزالة الفتنة ، نفسية ودعائية ، ولو عني من الاستجارة الاستهداء أم مجال التحري لجيء بلفظه الخاص ، دون الاستجارة العامة ، فمجرد الاستجارة لأي هدف كان إلا الحيلة الخطرة على المسلمين ، إنه موضوع واجب الإجارة (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ).
فيا لهذه الإجارة الرحيمة من قمة عالية وهمة غالية ، حراسة على المشرك لحد إبلاغه إلى مأمنه وهو بعد مشرك ، ما لم يشكّل خطرا على كيان الإسلام والمسلمين ، سواء سمع كلام الله سمع قبول فإيمان ، أو سمع التحري والتروي ، أو سمع الخوف دون تقبل وتروّ ، ولكنه بهذه الاستجارة يعني ابتعاده عن كافة الحزازات ضد الحوزة الإسلامية ، وكل (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) فالعالمون حق الإسلام المعارضون إياه لا إجارة لهم.
ثم مبدء الإشراك من قضاياه ورزاياه عدم الالتزام بالعهد ، فعلى المسلمين أن يأخذوا حذرهم منهم حالة الصلح كما في حالة الحرب حتى لا يؤخذوا على غرّة.