فلقد بيتوا عليه في بيت الله الذي يأمن فيه القاتل والسارق ، فمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا أمان له في ذلك البيت الأمين لأنه يدعو إلى الهدى ، ويردهم عن الردى ، بيتوا عليه على حريته وعلى دمه دونما تحرّج ولا تذمم ، وبكل تهرّج ، حتى أخرجوه عن مكة بعد كل ما أحرجوه ، ثم أصروا على إبادته في مهجره بقيادة أبي جهل في بدر ، ثم قاتلوهم بادئين في أحد والخندق ، ثم جمعوا لهم في حنين ولا يزالون وكما قال الله : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) مما يبين الطبيعة الشركية النكدة اللئيمة.
وكما هم بدءوكم في قصة خزاعة ، والبادئ بالقتال يحق قتاله على أية حال.
(أَلا تُقاتِلُونَ) هؤلاء الأنكاد البعاد؟ «أتخشوهم» أنتم (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) فأتمروا بأمره (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) به (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣ : ١٣٩).
و «من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء» ، فلا يخاف في سبيل الله أيّ مخيف إلا الله الذي يأمرنا أن نسلك سبيله دون خوف ممن سواه.
(قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١٥).
هنا (يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) دون «صدوركم» أو «صدور المؤمنين» ككل ، مما يلمح بنزول الآية بشأن ناقضي عهد الحديبية حيث إن بني بكر وثبوا على خزاعة الداخلين في عقد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) واثخنوهم قتلا وجرحا وتشريدا.
أجل «قاتلوهم» أولاء الناقضين ، وبالنتيجة (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) القوية بالإيمان ، وقلوبكم الندية بالإيمان ثم «ويخزهم» كما أخزوا فريقا من المؤمنين (وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ) بصورة قاطعة لا قبل لهم بها ، ثم