تنجزا لثوابه ، واحتجازا عن عقابه ، فشبه (صلّى الله عليه وآله وسلم) تلك الحال بالجرعة ، كأن الإنسان بالكظم لها والصبر عليها قد ضاق بها مرارة ، وأساغ منها حرارة.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)(١٦).
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (٢٣ : ١١٥) (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (٢ : ٢١٤) (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (٣ : ١٤).
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا) لحالكم دونما ابتلاء وإمتحان وتمحيص (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) علما وعلامة بواقع الجهاد الذي هو علامة النجاح ، كما أن تركه علامة السقوط ، فلهذه المجاهدات المفروضة أبعاده ، منها تميّز المجاهدين الواقعيين عن المدعين الجهاد «يقولون في المجالس كيت وكيت فإذا جاء الجهاد فحيدي حياد».
و «جاهدوا» الطليقة هنا تعم الجهاد الأنفسي إلى الآفاقي والآفاقي إلى الأنفسي ، وجهاد النفس هو أعظم ، وهو أتم مهاد لجهاد سائر الأعداء ، ولا يعني جهاد النفس قتل النفس الأمارة بالسوء ، إنما هو جعلها سليمة أمام العقلية الإيمانية ، خارجة عن طيشها وعيشها المتخلف عن شرعة الله ، فتفسير جهاد النفس بقتل النفس غلط رائج دارج لا يعبأ به!
(جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا) أية وليجة تلج في صفوفكم وصنوفهم (مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) فالوليجة الربانية هي المعرفة التقية ، والتقوى المعرفية أماهيه ، الوالجة في قلوبهم والحاكمة في صفوفهم ، ثم من الوليجة الرسولية تقبل قيادته العليا من الله ، ومن ثم الوليجة الإيمانية ولوج المؤمنين بعضهم في بعض ، مندغمين مع بعضهم