فلقد كانت للمشركين (سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قاضية عن عمارة الإيمان ـ منقبة يفتخرون بها على المؤمنين بالله واليوم الآخر والمجاهدين في سبيل الله ، فواجههم ذلك التنديد الشديد ، ولكي يعرفوا أن الأصل في عمارة المسجد الحرام هو عمارة الإيمان ، وإمارته على أهل الإيمان ، فمسجد الضرار مسجد في عمارته كسائر المساجد ، ولكنه يهدم ويحرق بأمر الله لأنه كان إرصادا لمن حارب الله ورسوله ، ف (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ. أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٩ : ١٠٧ ـ ١١٠).
فالمسجد الحرام أسس على التقوى من أوّل يوم أحق أن تقوم فيه ، ثم مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وما أشبه ، ولا مكانة لسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام وإمارته للمشركين أمام عمارة الإيمان وإمارته ، وحضور المؤمنين فيه تطبيقا لشعائر الله.
ومهما نزلت الآية ـ بين منازل النزول ـ في عباس وشيبة وعلي (عليه السلام) ترتيبا عمليا بينهم : سقاية الحج وعمارة المسجد الحرام ومن آمن بالله ولكنها طليقة بين الجانبين ، ثم ظاهر المقابلة أن سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كانتا لمن هو يقابل الجانب الآخر مهما كان له إيمان ، فقد قيل إن عليا (عليه السلام) قال للعباس يا عم ألا تهاجر؟ ألا تلحق برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال : ألست في أعظم من الهجرة؟ أعمر المسجد الحرام وأسقي حاج بيت الله فنزلت هذه الآية (١).
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ١٩٤ في مجمع البيان قيل : إن عليّا (عليه السلام) : .. ومثله في الدر ـ