اعتبار لسواهما من منازل الكمال مكانة ، ولكن من (آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) وإن لم يصبح كيانه ككل إياها فهو أفضل من الأولين ، فالإيمان القليل أفضل من كثير السقاية والعمارة وعمارة المسجد الحرام ممن لا يؤمن ، كما وأن الإيمان الأكثر دون سقاية وعمارة هو أفضل من الأقل بكل سقاية وعمارة للمسجد الحرام.
فما أحسنه تعبيرا قاصدا لمثل هذه العناية الأدبية الرقيقة المنبّهة لموقف الإيمان أمام سواه.
ونظيرة الآية في مقابلة الفعل بالفاعل (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (٢ :) ١٧٧).
ذلك ف (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) : سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كأصل ، ومن آمن بالله كأصل آخر ، وإن كانا من المؤمنين ، حيث الرجاحة دائما هي لأصل الإيمان قبال الكفر ، ولفاضل الإيمان قبال مفضوله دون أية فضيلة أخرى وجاه الإيمان ولواحقه.
ثم (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) مهما كانوا سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، وهو يهدي المؤمنين وإن لم يسقو الحاج ولم يعمروا المسجد الحرام.
وقد يدل قرن «من آمن» ب «سقاية» على عدم إيمان من نزلت الآية نكاية به (١) ، وكما (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) تؤيده ، أم يعنى معه كامل الإيمان أمام ناقصه تبيينا أن الإيمان بملحقاته هو ـ فقط ـ سند الفضيلة والأفضلية بمراتبه أمام فاقديها.
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢١٨ عن ابن عباس قال قال العباس حين أسر يوم بدر : إن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج ونفك العاني فأنزل الله هذه الآية. وعن ابن عباس أن المشركين قالوا : عمارة بيت الله والقيام على السقاية خير من الإيمان والجهاد فذكر الله خير الإيمان به سبحانه البيت والجهاد مع نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلم) على عمران المشركين وقيامهم على السقاية.