فأنزل الله هذه الآية.
أجل وإنه لا مفاضلة ولا مفاصلة إلّا في مثلث : الإيمان بالله ، واليوم الآخر ، والجهاد في سبيله ، دون سائر المفاضلات والمفاصلات أو المعادلات المزعومة ، وكما تعلمنا كلمة واحدة (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) وترى كيف ترك هنا الإيمان بهذه الرسالة السامية وهي أصل للجهاد في سبيل الله؟
علّه لأن هذه الثلاثة لا تتم إلّا على ضوء هذه الرسالة ، ولا سيما الجهاد في سبيل الله ، حيث الأولان مستفادان من حجة العقل كخطوة أولى ، ولكن سبيل الله فضلا عن الجهاد في سبيله لا تعرف إلا بوسيط الوحي الرسولي ، وكما هو تكملة لوحي العقل الهادي إلى الله واليوم الآخر.
ذلك ، وإذا كانت سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام قضية الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيله ، فهي محبورة محسوبة بحساب الإيمان ، فإنما المقابلة بينهما تعني مجردهما عن الإيمان قبال اللّاإيمان ، أم مصحوبهما بقليل الإيمان أمام كثير الإيمان.
فللإيمان بالله موضوعية ليست لسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام إلّا على ضوء الإيمان قدره ، فلا يقاس تفضيلا أو تعديلا بالإيمان إلا نفس الإيمان وهنا (لا يَسْتَوُونَ) سلب لأفضلية غير الإيمان بأحرى وأولى.
ذلك ولما «أرادوا أن يدعوا السقاية والحجابة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تدعوها فإن لكم فيها خيرا» (١) ولقد كان يطلب وهو في المدينة ماء زمزم ليشرب منه (٢) وذلك كرامة للمؤمن الساقي والعامر
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢١٩ ـ أخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ) قال : أرادوا.
(٢) المصدر أخرج عبد الرزاق والأزرقي عن أبي جريج عن ابن أبي حسين قال : كتب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى سهيل بن عمرو إن جاءك كتابي ليلا فلا تصبحن وإن ـ