ولا سيما الرسالية اصطفاء واجتباء ، وكيف يصطفى ويجتبى من هو من الغاوين المخلدين إلى الأرض المتبعين أهواءهم لحد يمثّل بالكلب ، وهو مكذب بآيات الله ، فكيف يصطفيه إلّا الجاهل القاحل المغري للمجاهيل ويكأن الله يجهل حيث يجعل رسالته؟ و (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) فكيف جهل هنا موضع رسالته؟
إذا ف «آياتنا» هنا ليست هي من آيات العصمة رسالية وسواها ولا الآيات العامة المزيدة ، بل هي التي قد تؤتى غير الصالحين لردح من الزمن امتحانا فامتهانا ، ولكي نعلم أن الآيات الربانية ليست إلّا لمستحقيها بحق والذين يعملون لها كما هيه ، ليست إلّا هيه.
فسواء أكانت «آياتنا» آية استجابة الدعوة كما يروى؟ وهي آية واحدة! أم وآيات آفاقية وأنفسية في سلك معرفة ربانية زائدة ابتلاء له وامتحانا؟ وقد تناسبه جمع «آياتنا» هي الآيات العوان بين الخاصة الرسالية والعامة السارية.
هنا «آياتنا» هي عوان بين الآيات المؤتيات لكافة المكلفين بمختلف قابلياتهم وفاعلياتهم ، وبين الآيات الرسولية والرسالية للمرسلين ، فلا هي الخاصة ب (الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) من الآيات العامة ، حيث تعمه وسواه ، ولا هي من الآيات الخاصة الرسالية لاختصاصها بالمصطفين ، فهي ـ إذا ـ عوان بين قبيلي الآيات ، أن زوّد فيما أوتي منها على سائر المكلفين ،
__________________
ـ فمال إلى فرعون في طلب موسى (عليه السلام) وأصحابه ، قال فرعون لبلعم : أدع الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا ، فركب حمارته ليمرّ في طلب موسى فامتنعت عليه حمارته فأقبل يضربها فأنطقها الله عزّ وجلّ فقالت : ويلك على ما تضربني؟ أتريد أن أجيء معك لتدعو على نبي الله وقوم مؤمنين؟ فلم يزل يضربها حتى قتلها ، وانسلخ الاسم من لسانه وهو قوله : (فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ... فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) وهو مثل ضربه.
أقول : هذا الحمار هو كالحمار الذي اختلق هذه الرواية المخيّلة للناظر إليها كان الله مجبر في إجابة دعاء ابن باعورا ، فلذلك امتنع عن المرور إلى موسى خوفة دعاءه وإجابته تعالى إياه.