يرأّسونه إذ أصبح من رؤساء الشيطنات (فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) نفسه وأتباعه ، رغم ما أوتي من الآيات (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ).
(وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) كما آتيناه إياها ، لو أنه اتبعها واستفاد منها ، (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) لازقا إياها ، راضيا بالحياة الدنيا من الآخرة ، تاركا آيات السماء وراءه ظهريا (وَاتَّبَعَ هَواهُ) في إخلاده فلم ينج منه ، فقد يرفع الله بآياته الذي يتذرعونها إلى الحق المرام قدر مسعاهم ومرماهم.
(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) اللّاهث (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ) هجوما ضاريا «يلهث» ـ «أو تتركه» مسالما «يلهث» واللهث هو حال العطش ، فمن الكلاب من تسوى له الحالتان ريّا وعطشا ، فذلك الذي (آتَيْناهُ آياتِنا) فأصبح ريا بها لا يعطش ، وأخذ يلهث وعنده ما يغنيه منها ، فقد آتاه الله العلم فأغناه عن التعرض لهذا الأركس الأدنى ، ولكنه ألغاه إلقاء لنفسه فيما تشتهيه نفسه الخبيثة وطبيعته الخسيسة ، دونما حاجة إلى الأرض بما عنده من آيات السماء ، فسواء عليه إن أوتي «آياتنا» أم لم يؤت منها فإنه لاهث عطشان للحياة الأرضية الدانية الفانية ، حيث يفدي للحصول عليها بآياتنا (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وقد أوتوها انسلاخا منها (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ـ
فيا له من مشهد عجاب ، إنسان آتاه الله آيات له بينات ، خالعا عليه من فضله ، كاسيا من علمه بفرصة كاملة شاملة للاهتداء والارتفاع بها ، وإذا هو ينسلخ منها وكأنما الآيات أديمت له متلبسة بلحمه ، فهو ذا ينسلخ منها بعنف ، انسلاخ الحي أمن أديمه اللّاصق بكيانه.
فمن هذه الآيات آية الفطرة : الذر التي فطر الناس عليها ، حيث تلبس بها تلبس الجلد بالإنسان ، تجردا وانسلاخا من الغطاء الواقي والدرع الحامي ، فيهبط من الأفق البارق إخلادا إلى الطين المحمى الحارق ، فيصبح غرضا للشيطان ، مخلدا إلى الأرض ، ملتبسا ملوثا بطينها ، ممسوخا كالكلب اللّاهث.