والغالب على حال الأبوين ـ وهما محبان مشفقان شغفان على ولدهما ـ أن ينقطعا في أمرهم إلى الله قبل ولادهم ، دون التفات إلى تفصيل ذلك الانقطاع ، وكما ينقطع راكب البحر ـ إذا التطمت أمواجه وأخذت تلعب به ـ إلى الله ، فالإنسان في هذه الحالة المضطربة ينقطع في لب ذاته إلى ربه وإن لم يكن موحدا ولا معترفا بأصل الألوهة ، ولكنه ينسى ربه أو يتناساه بعد ما نجى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (٢٩ : ٦٥).
كذلك للأبوين ـ نوعيا ـ انقطاع إلى ربهما في أمر الأولاد ، يريدان صلاح الولادة ويشترطان بطبيعة الحال أن يكونا له شاكرين ، فلما أجيبت دعوتهما إذا هما يشركان بالله وينثلان ما عاهدا عليه الله ، وهذه حالة النوع الإنساني إلّا من عصمه الله كآدم وسائر المعصومين والصالحين الموحدين على طول الخط.
إذا ففرية الشرك على أبوينا الأولين مبنية على فرية أخرى هي الخلط وعدم التناسب بين هذه الضمائر ومراجعها ، وهل ترى عاقلا منصفا يزيف المعني من مقالة صادقة لا لشيء إلا الخبط والخلط في لفظية التفسير ، كاعتبار المؤنث مذكرا في حالة ومؤنثا في أخرى ، واعتبار التثنية جمعا أو الجمع تثنية والشريك الواحد شركاء والشركاء واحدا!
وهكذا (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) نزل الكتاب هدى للصالحين وهو بنفسه دون شركاء يتولى الصالحين (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) أيا كانوا (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ).
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) هؤلاء المشركون ، كمثل شركائهم (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ك ، كرسول تدعو إلى الهدى ، إنما يبصرون شركاءهم فهم عليها عاكفون.