فلا تدل الآية على ما تستدل به الجمعية المرسلون الأمريكيون إلّا على احتمال اختصاص (نَفْسٍ واحِدَةٍ) بآدم ، ورجوع ضمير الذكورة إلى مؤنث (نَفْسٍ واحِدَةٍ) ورجوع ضمائر الجمع هنا إلى مثناهما رغم استقبال افعالها ، ثالوث من الاحتمالات التي لا تحتملها هذه الآيات ، اللهم إلا أولاها دون الأخريين.
ذلك ، فالقصة كما ترى تتحدث عن سيرة عامة لأفراد هذا النوع إلّا من رحمه الله وهداه ، أنهم مهتمون بنقض مواثيقهم وخلف مواعيدهم مع الله نقضا لنداء الفطرة والعقلية السليمة : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
والذي غفل عنه كلا الناقدين ، والموجهين للآية بوجوه غير وجيهة ولا مرضية ، هو تحسّب أن هذه الآيات عرض عن الحالة الوالدية لأبوينا الأولين ، وهي بعيدة عنها كل البعد.
ذلك لأن «خلقكم» تعم كل بني الإنسان ، و (نَفْسٍ واحِدَةٍ) هنا هي الوالد لكل مولود منهم (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) قد تعني والحال انه تعالى جعل من جنسها زوجها فخلقكم منهما اعتبارا بأصالة زائدة بين الأصلين للزوج الوالد على الزوجة الوالدة ، «جعل ليسكن إليها» : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (٣٠ : ٢١) فالأصل في التقاء الزوجين هو السكن ليظل السكون والأمن جو المحضن الذي تنمو فيه الفراخ الزغب : فليس لمجرد اللذة ، إلا ذريعة تجذبهما إلى هذه العشرة العشيرة على أتعابها وأسغابها ، فاللذة العابرة والنزوة العارضة هما اللتان تتغلبان على كل الحوادث والكوارث في ذلك الالتقاء.
(فَلَمَّا تَغَشَّاها) جماعا (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) هو النطفة الجرثومية «فمرت به» وذلك هو الحمل الأول فهي تبين حال الأبوين من النوع الإنساني في انجابهما أولادهما باعتبار العام النوعي دون اختصاص بالأولين ، ولا جمع خاص من الأبوين ، ولا شمولهما للأولين ، حيث تعني أن كل إنسان وليد أبويه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) (١٣ : ٤٩).