أخلاق الناس (١) إذ قد تعني بين الإفراط والتفريط.
ثم (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) قد تعني نفس الأمر عرفا كما الأمر بالعرف ، فليكن الأمر عرفا دون نكر ، عرفا في مادة الأمر وكيفيته ، وعرفا من الآمر أن يكون هو نفسه مؤتمرا به ثم ليكن أمرا بالعرف ، فالباء في الأولى للمصاحبة وفي الثانية للتعدية وهما معا معنيّان.
(وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) إعراضا عن ملاحقتهم لجهلهم القاحل ، وإعراضا عن مصاحبتهم للجهل المتجاهل العارف ، وإعراضا عن إتباعهم مسايرة جهلهم ، فالجهل في مثلث التعامل تتركز عليه نقطة الإعراض ، إبرازا للمفاصلة بين غير الجاهلين والجاهلين ، ونهيا جاهرا عن منكر الجهل الجهالة.
وهنا الأخذ بالعفو الإغماض هو كأصل ما لم يعارض ملابسات تفرض عدم العفو ، كأن يعفى عن الظالم الذي يزداده العفو عتوا على المظلوم ونفورا عن العدل ، سواء كان المظلوم هو العافي فهو ظالم مرتين ، أم المطّلع على ظلم أخيه فهو ظالم مرة.
كما وأن الإعراض عن الجاهلين لا تعنى ـ فيما تعنيه ـ الإعراض عن تعليم وتأديب الجهال الذين هم في تحرّي العلم والمعرفة ، أم هم غافلون عن جهلهم أو واجب تعلمهم ، فعلى العالم أن يظهر علمه اللهم إلّا فيما يهدر أو يهدّر فإنه ـ إذا ـ ظلم بالعلم ورعيله.
ومن الترتيب التربوي بين هذه الثلاثة أن الأصل الأوّل هو الأخذ بالعفو مالا وحالا وأعمالا في نفسك وذويك وسائر الناس ، ومن العفو في
__________________
(١) المصدر ـ أخرج ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق عن إبراهيم بن أدهم قال : لما أنزل الله وفي نور الثقلين ٢ : ١١١ في تفسير العياشي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ان الله أدب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال : «يا محمد خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين» قال : خذ منهم ما ظهر وما تيسر والعفو الوسط.