وهذه نماذج من صور المنافقين المناحرة لسيرهم ، مظاهر خاوية من روح الإيمان ، خالية من التصميم ، وإنما خوف ومدارات بقلب منحرف ، وعقل خرف ، وضمير مدخول منجرف.
فمهما تكن لهؤلاء الأنكاد من طائلة الأموال والأولاد ، فليست هي بشيء بجنب الله:
(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ)(٥٥).
إذا (فَلا تُعْجِبْكَ) أيها الناظر ، والرسول هنا خارج عن الدور إلّا بمعنى إياك أعني واسمعي يا جارة ، أم تأكيد للحرمة الفطرية والعقلية لذلك الإعجاب ، وخطاب النبي بخصوصه أو بين آخرين يعني أن ذلك الإعجاب محرم على الكل ، وليس النبي لنبوته ومحتده مستثنى عن ذلك ، فإذا كان الإعجاب محرما عليه فعلى غيره أحرى ، فالنهي قد ينحو نحو المنكر المفعول فنهي عن منكر واقع ، فهو نهي عن المنكر ، أم تشريع لما لم يكن محرما أم كان محرما فطريا وعقليا ، فهذا تأكيد وذاك إنشاء للحرمة ، وهما لا يدلان على أن المخاطب به مقترف لمادة النهي ، وهكذا تكون مناهي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم إلا فيما كان حلا ثم حرم ك (أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) وما أشبه ، فمجرد ورود نهي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم سواه لا يدل على أنه اقترف المنهي على حرمته ، إنما هو تحذير ذو احتمالات ثلاث.
(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) أن تحملك على عجب أو عجب كأن هذه الأموال والأولاد أعماد لحياتهم بها يعيشون ، ويكأن الله أراد فيها بهم خيرا «إنما» ليس إلا (يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) عذابا في الحصول عليها ، وعذابا في حفاظها ، وعذابا في ظالمة التصرفات وملتوياتها ، مهما كانت لهم حظوة ظاهرة ، ثم عذابا ـ من جراء الدنيا ـ في الآخرة ، ف (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (٢٠ : ١٢٤) ومن ضنكها أنهم (تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) كارهين حيث