(فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٨٢).
هل الأمران هنا تكليفيان؟ والمنافق لا يأتمر بأمر فكيف يكلف به؟! إنهما تعجيزيان (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) هنا كما هم ضاحكون فرحون بمقعدهم خلاف رسول الله ، ومهما حسبوه كثيرا ولكنه في الحق قليل (١) : (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (٩ : ٣٨) ثم (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) هنا لو يعلمون ما هو حالهم بمآلهم ، وبعد الموت تحسرا وتأسفا على ما مضى وتخوفا على الحاضر هناك والمستقبل.
إذا فلا واقع لأمر ضحكهم بعد الموت ، وإنما «فليضحكوا» هنا قليلا وكل حياة الدنيا قليل ، «وليبكوا» هنا وهناك «كثيرا» وهو في نفسه كثير فضلا عن نسبته إلى ما هنا.
وهنا (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) كما تختص البكاء الكثير باليوم الأخير ، كذلك تختصهما جميعا بالمنافقين والكافرين ، فلا تشمل المؤمنين ، اللهم إلا غضا عن «جزاء» تأويلا ل «فليضحكوا ..» وكما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» (٢).
ذلك ، فقد يعني الأمران هنا إلى التعجيز التكليف مهما لا
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٦٥ عن ابن عباس في الآية قال : الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاءوا فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله استأنفوا بكاء لا ينقطع أبدا.
(٢) المصدر أخرج ابن مردويه عن أنس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني أرى ما لا ترون واسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدا والله لا تعلمون ما أعلم ... وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله لوددت أني كنت شجرة تعضد.
وفي مفتاح كنوز السنة مثله نقلا عن : بخ ـ ك ١٦ ب ٢ ، ك ٦٧ ب ١٠٧ ، ك ٨١ ب ٢٧ ، ك ٨٣ ب ٣ ، تر ـ ك ٣٤ ب ٩ ، مج ـ ك ٣٧ ب ١٩. مى ـ ك ٢٠ ب ٢٦ ، حم ثان ص ٢٥٧ و ٣١٢ و ٤١٧ و ٤٣٢ و ٤٥٣ و ٤٦٧ و ٤٧٧ و ٥٠٢ ، ثالث ص ١٠٢ و ١٢٦ و ١٥٤ و ١٨٠ و ١٩٢ و ٢١٠ و ٢١٧ و ٢٤٠ و ٢٤٥ و ٢٥١ و ٢٦٨ و ٢٩٠ ، خامس ص ١٧٣ ، سادس ص ٨١ و ١٦٤ ، ط ـ ح ٢٠٧١.