وهنا نتساءل : هل إن من لا يصلح لحمل رسالة وخلافة جزئية زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلح لحمل خلافة هذه الرسالة بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.
وترى بعد (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ ..) تنديد بكافة المؤمنين بمن فيهم علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر فضلاء الصحابة ، وتمجيد بصاحب الغار؟ و (نَصَرَهُ اللهُ) تختص نصرته في الغار بالله!.
وهذا الخطاب العتاب يختص بمن ترك نصرته (صلى الله عليه وآله وسلم) من البسطاء والذين في قلوبهم مرض ، دون وسطاء الإيمان فضلا عن فضلائهم ، وقد تدل آيات تالية في بضع عشرة أن المعنيين بهذه الخطابات هم أولاء الأنكاد الموصوفين بالنفاق وعدم الإيمان ، فحتى البسطاء القصر هم خارجون عنهم فضلا عن سائر المؤمنين وسطاء وفضلاء! فقد قال الله عن فضلاءهم : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٩ : ١٠٠).
ولئن كان من شيء فقد يشمل هذا الخطاب أبا بكر نفسه مع سائر المؤمنين ، إذ لم يستثن من ذلك الخطاب العام ، وإنما استثني في موقف الغار عن صالحي المؤمنين الجديرين بنزول السكينة عليهم ، فالروايات الواردة بهذه المنقبة المتميزة لصاحب الغار مختلقة تعارض الآية بصدرها وذيلها ، أم متواطئة من أنصار صاحب الغار (١).
أم وترى هذه الصحبة الصاخبة في الغار له (صلى الله عليه وآله وسلم) نصرة ، وليس المبيت على فراشه (صلى الله عليه وآله وسلم) له
__________________
(١) منها ما افتروه على علي (عليه السلام) كما في الدر المنثور ٣ : ٢٤١ ـ أخرج خيثمة بن سليمان الاطرابلسي في فضائل الصحابة وابن عساكر عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : إن الله ذم الناس كلهم ومدح أبا بكر فقال (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ ...) وروى مثله عن سفيان بن عيينة والحسن.