فثانيا : (خالِدِينَ فِيها) مدة طويلة هي منقسمة بين عذاب مؤقت وعذاب مقيم ، ثم ثالثا (لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) أبدي ما داموا هم ودامت النار ، فلا يخرجون عن النار ، ولا تخمد النار وهم أحياء ، بل هما متقارنان ، يقيمون مع مقيم العذاب ، كما أن مقيم العذاب معهم ما داموا أحياء ، فهم :
(كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(٦٩).
هؤلاء الأنكاد الأبعاد هم (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) منافقين وكافرين تشابهت قلوبكم وهم (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً).
وقضية هذه المشابهة اللعينة أنهم على كثرة قوتهم وأموالهم وأولادهم (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) وهو النصيب المكتسب صالحا أو صالحا حسب مختلف الخلق ، وهو ما خلق للإنسان في الحياة الدنيا ذريعة للأخرى ، فالخلاق الصالح هو نصيب صالح في الأخرى ، وكما الخلاق الطالح هو نصيب طالح فيها ، ولا يعني سلب الخلاق يوم الأخرى إلّا سلب صالحه المرتقب حيث أتلف خلاقه في الأولى (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (٢ : ٢٠٠) (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (٢ : ١٠٢).
ذلك ، والخلاق : النصيب المكتسب ، هو المخلوق في أصله لكل مكلف ، وهو يكلّف بالتذرع به إلى مرضات الله ، وهو الفطرة والعقلية الصالحة وكافة الطاقات الأنفسية ظاهرية وباطنية ، التي هباها الله إيانا لنكون له من الشاكرين.
ذلك الخلاق قد يستمتع بها متعة الحياة الدنيا لمن (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١١ : ١٦).