هنا لأهل النار الخالدين (عَذابٌ مُقِيمٌ) قضية عدل الله ونقمته ـ (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٥ : ٣٧) مقيم ما قامت النار دون خروج عنها ، وليس فناء من في النار مع النار خروجا منها ، والإقامة اللّانهائية لأهل النار في النار خروج عن العدل والنصفة وعوذا بالله.
وهناك لأهل الجنة (نَعِيمٌ مُقِيمٌ) قضية فضل الله ورحمته ، فأين مقيم من مقيم ، مقيم يقيمه عدل الله فله نهاية ، ومقيم يقيمه فضل الله فليست له نهاية ، بل هو عطاء غير مجذوذ (١) ، حيث : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ) (٥ : ٣٧).
وترى ما هو الفارق بين ثالوث : «نار جهنم ـ خالدين فيها ـ (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)؟
هنا قوس تصاعدي أن لهم أولا : (نارَ جَهَنَّمَ) ولكن ليس لزامه خلودهم فيها ، فبعض الداخلين فيها هم غير خالدين ، كبعض العصاة من الموحدين ، حيث يخرجون عن النار دون خلود فيها هو البقاء مدة طويلة ،
__________________
(١) في تفسير العياشي عن ثوير عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال : إذا صار أهل الجنة في الجنة ودخل ولي الله إلى جنانه ومساكنه وأتكئ كل مؤمن على أريكته حفنة حذامه وتهدلت عليه الثمار وتفجرت حوله العيون وجرت من تحتها الأنهار وبسطت له الزرابي ووضعت له النمارق وأتته الحذام بما شاءت هواه من قبل أن يسألهم ذلك ، قال : وتخرج عليه الحور العين من الجنان فيمكثون بذلك ما شاء الله ، ثم إن الجبار يشرف عليهم فيقول لهم : أوليائي وأهل طاعتي وسكان جنتي في جواري ألا هل أنبؤكم بخير ما أنتم فيه؟ فيقولون : ربنا وأي شيء خير مما نحن فيه فيما اشتهت أنفسنا ولذت أعيننا من النعم في جوار الكريم؟ ـ قال : فيعود عليهم القول فيقولون ربنا نعم فأتنا بخير مما نحن فيه فيقول تبارك وتعالى لهم : رضاي عنكم ومحبتي لكم خير وأعظم مما أنتم فيه ، قال : فيقولون نعم يا ربنا رضاك عنا ومحبتك لنا خير وأطيب لأنفسنا ثم قرء علي بن الحسين (عليهما السلام) هذه الآية (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ ..) وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن جابر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله : هل تشتهون شيئا فأزيدكم؟ قالوا : يا ربنا وهل بقي شيء إلا وقد أنلتناه؟ فيقول : نعم رضاي فلا أسخط عليكم أبدا.