فطبيعة البدوية المحشورة مع الدواب ، غير المحشورة مع المثقفين في الدين ، والبعيدة عن مراكز الثقافة الإسلامية ، إنها تبعدهم عن صالح العقلية الإنسانية فضلا عن العقلية الإيمانية ، حيث الغفلة والجفوة والجفاء كأنها أدغمت في طبايعهم ، فهم إلى النسناس أقرب منهم إلى الناس.
أذا فهكذا البلاد ـ مهما كانت عظيمة ـ البعيدة عن الثقافة الإيمانية بأي سبب كان ، إنهم من هؤلاء الأعراب الذين (أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً ..).
فلقد حق قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «من بدا جفا ـ من سكن البادية جفا» (١) وكان زيد بن صوحان يحدث فقال أعرابي إن حديثك ليعجبني وإن يدك لتريبني ، فقال : أم تراها الشمال؟ فقال الأعرابي : والله ما أدري اليمين يقطعون أم الشمال ، قال زيد : صدق الله : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً ..)(٢).
ففي حقل الكفر والنفاق نجد الأعراب (أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ) فكفارهم أشد كفرا ممن سواهم ، ومنافقوهم أشد نفاقا ممن سواهم ، وجهالهم بحدود ما أنزل الله على رسوله أجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله (٣) وهذه الجدارة ناشئة من ظروف حياتهم القاسية العاصية المستعصية وما تنشئه في طباعهم من جفوة ونكدة ، وبعد بعيد عن صالح المعرفة ، فالمادية الأصيلة في حياتهم لها دور سائد صامد في القيم القمم عندهم من الحصائل المادية.
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٦٩ ، الأول عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من بدأ جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن ، وما ازداد من السلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا ، والثاني عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من سكن ..
(٢) المصدر أخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال : ..
(٣) الدر المنثور ٣ : ٢٦٨ ـ أخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) قال : من منافقي المدينة (وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) يعنى الفرائض وما أمروا به عن الجهاد.