فهم ـ إذا ـ أبعد حالا ومآلا منهم ، ولكن نفس «إما» تجويزا ل (يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) قد تفرض برحمته الواسعة أن يتوب عليهم ، حيث الرحمة سابقة على العذاب ما كان إليها سبيل ، ولم يكن العذاب مفروضا لكي يكون تركه مرفوضا في عدل الله (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوالهم «حكيم» بما يصنع بهم ، فهناك لمن (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قضية ذلك الخلط ، وهنا (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) قضية ما هو أدنى من ذلك الخلط ، فمن هم ـ إذا ـ (آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ)؟.
هؤلاء .... ثم إنهم دخلوا في الإسلام فوحدوا الله وتركوا الشرك ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنة ، ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فتجب لهم النار ، فهم على تلك الحال (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ)(١).
وأما المستضعفون الذين ليسوا من المؤمنين ولا الكافرين ، فإن كان استضعافهم قصورا مطلقا فلا يستحقون عذابا مطلقا قضية عدم التقصير ، وإن كانوا مستضعفين بتقصير فهم صنوف منهم من هم مرجون لأمر الله ، فليس المستضعفون ككل منهم (٢).
ذلك ، فهم على أية حال بين الإيمان والكفر ، وبينهما منازل منهم (آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) وبينهما المستضعفون ، وبينهما آخرون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا (٣).
فبالكفر يستحق النار وبالإيمان يستحق الجنة ، فالعوان بينهما لا
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٢٦٥ في أصول الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى : «وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ ..» قال : ...
(٢) المصدر في تفسير العياشي قال حمران : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المستضعفين؟ قال : هم ليسوا بالمؤمن ولا بالكافر وهم المرجون لأمر الله.
(٣) نور الثقلين ٢ : ٢٦٦ عن تفسير العياشي عن الحارث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته بين الإيمان والكفر منزلة؟ فقال نعم ومنازل لو يجحد شيئا منها أكبه الله في النار وبينهما آخرون ...