العلم في أصله هي رؤيته بما يرى الناس أنه كان يرى ، ثم رؤيته حسابا للأعمال ، ومن ثم رؤية جزاء الأعمال ، وهما منذ الموت ، و (فَسَيَرَى اللهُ) تعمها كلها مهما كانت الرؤية الأولى دائمة خارجة عن «سيرى».
ثم رؤية الرسول هي رؤية الشهادة ـ بما تلقاه من الأعمال يوم يقوم الأشهاد ـ ، ورؤية ما كتبه الكرام الكاتبون ، وسائر المرئي مما تنطق به الجوارح والأرض بفضائها.
ومن ثم رؤية المؤمنين فإنها رؤية دون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا ما هي للأئمة من آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). والمستقبل المستفاد من «سيرى» هو لجمعية الرؤية إلّا ما كانت ظاهرة حاصلة من ذي قبل.
وقد تعني «سيرى» طليق مستقبل الرؤية في النشآت الثلاث ، ومن ثم «ثم تردون» هي رؤيته الأخيرة يوم الأخير ردا إلى جزاء الأعمال.
و «اعملوا» للصالحين تحريض على صالح الأعمال ، وللطالحين تعجيز بمستقبل الأعمال ، إذ لا يفلت عنه تعالى فالت ولا يعزب عازب ، فكله لازب من صادق وكاذب.
(فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إنباء عمليا إظهارا لملكوت أعمالكم بعد ظهورها بكل مظاهرها المرئية : ولو أن أحدكم يعمل في صخرة صمّاء ليس لها باب ولا كوّة لأخرج الله عمله للناس كائنا ما كان (١).
(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١٠٦).
«وآخرون» هنا هم غير (آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) لمكان «آخرون» بعد «آخرون» الأولون ، فهم أولاء (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) والآخرون الأولون فقط (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) دون (أَوْ يُعَذِّبَهُمْ)
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٧٦ عن أبي سعيد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ..