يعتذر ربنا لإبراهيم عن استغفاره لأبيه : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) وتراها موعدة لإبراهيم وعدها إياه؟ والموعدة المحرمة لا تبرر إيفاءها! أم هي موعدة أبيه وعدها إياه؟ ولا تتبين موعدته من (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)! وحتى لو أنها كانت تتبين موعدته منها ، فلأنها لا واقع لها فلا يصلح إخبارا بها من الله أنه (وَعَدَها إِيَّاهُ)!.
إنها موعدة إبراهيم وعدها إياه بقوله (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) إذ تلمح لمحة التحري عن إيمان من قوله (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) (١٩ : ٤٦) وعلى هامشها موعدة آزر إياه أن يتحرى.
فلو أنه مصرّ على رجمه حيث قال «لأرجمنك» ما كان يقول دون فصل (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) إذا فمليّ الهجر دون دوامه ، وهيمان إبراهيم لإيمان آزر ، هما خيّلا إليه أنه يعني بملي هجره مليّ تفكيره وتروّيه فيما يدعوه إليه (١) فلذلك أم وللعطف عليه أن يهديه الله بما يستغفر له ، وعده أن يستغفر له فور وعده الذي خيل إليه (٢) : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا)(٤٧) ثم استغفر له ـ ولمّا يتبين أنه كاذب في لمحة الوعد ـ : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (٢٦ : ٨٦).
ولأن وعد الاستغفار وتحقيقه ما كان حققا في الواقع مهما كان هو معذورا فيهما ، فقد خرج فيه إبراهيم عن أن يؤتسى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ ... إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) (٦٠ : ٤) وإن كان قاصرا في العلم (أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ) حيث القاصر لا يؤتسى في قصوره
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٢٧٥ في تفسير القمي في الآية قال : قال إبراهيم لأبيه : إن لم تعبد الأصنام استغفرت لك ، فلما لم يدع الأصنام تبرأ منه إبراهيم.
(٢) المصدر في تفسير العياشي عن إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه قال قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما يقول الناس في قول الله عزّ وجلّ : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) قلت : يقولون : إبراهيم وعد أباه ليستغفر له قال : ليس هو هكذا وإن إبراهيم وعده أن يسلم فاستغفر فلما تبين أنه عدو لله تبرأ منه ، أقول : وعده يعني آزر أن يسلم ..