يترددون» بين الخروج والبقاء ، وكلاهما منهم خيانة وكيد على الجماعة المسلمة «ومن تردد في الريب سبقه الأولون وأدركه الآخرون وقطعته سنابك الشياطين» (١). فذلك علامة أولى لكذبهم في استئذانهم ثم ثانيا :
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ)(٤٦).
إن إرادة الخروج ، العازمة الحاسمة ، قضيتها الطبيعية الواقعية إعداد عدة له وإن بسيطا ، وهم لم يعدوا له أية عدة ، إلا كل عدة للتخلف عنه (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) : كسّلهم وضعّف رغبتهم في الانبعاث كيلا يخرجوا ، فإن خروجهم مروج فيهم ، فخروج عن صالح الحرب إلى طالحها ، فقد تطلّبت منهم شرعة التكليف أن يخرجوا ، ثم ثبطتهم شرعة التكوين بما تثبطوا في أنفسهم (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) قيلة من رؤوس النفاق حيلة ، وقيلة من الشيطان الرجيم غيلة ، ثم الله لم يمنعهم عن هذه القيلة الحيلة الغيلة ، وعن قعودهم بها ، حيث (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (١٩ : ٨٣) (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) (٤١ : ٢٥) ذلك و :
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)(٤٧).
«لو» إحالة واقعية بما عزموا على عدم الخروج وبما ثبطهم الله وقيل أقعدوا مع القاعدين (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ) أنتم المؤمنين الصالحين (ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) : فسادا واضطراب رأي «ولأوضعوا» : أسرعوا فيها وفي أي فساد «خلا لكم» : تخللا فاسدا كاسدا بين صفوفكم الإيمانية ، حال أنهم : (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) : أن يطلبوكم إياها ، كأن لا بغية لهم بخروجهم فيكم إلّا إياها (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) اذنا لكل كلام دونما تثبت عنه كالبسطاء من المؤمنين والذين اسلموا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم ، (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) الضالين والمضلّلين ، ذلك :
__________________
(١) نهج البلاغة عن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام).