عليه وآله وسلم) في الجهاد فإن ربنا ندبنا إليه مرة بعد أخرى ، فلما ذا ـ إذا ـ الاستئذان؟ وكانوا بحيث لو أمرهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقعود لشق عليهم ، فترى عليا (عليه السلام) لما يأمره الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يبقى في المدينة يشق ذلك عليه حتى يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى.
والاستئذان المنفي هنا لا يختص بالقعود ، بل هو الظاهر في الخروج ، مما يرجح أن جماعة منهم استأذنوه للخروج فأذن لهم ، كما وأن (ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) هو من آخرين استأذنوه للبقاء ، فقد يصح حمل (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) على الأمرين ، إذن في الخروج وإذن في البقاء ، والجهاد في سبيل الله ليس من مسارح الإذن سلبا وإيجابا.
أجل (لا يَسْتَأْذِنُكَ ... إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) سواء أكان استئذانهم للجهاد أم تركه ، وهو أحرى دلالة على كفرهم بالله واليوم الآخر ، فالاستئذان في هذا المسرح لأيّ كان ومن أيّ كان ، إنما هو لأولئك الذين خلت قلوبهم من الإيمان فهم يتلمسون المعاذير وهم في ريبهم يترددون ، استئذانا للخروج وآخر للقعود.
ذلك الاستئذان كان للقعود وان استأذنوه بعد للخروج : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) (٩ : ٨٣).
وفي (لا يَسْتَأْذِنُكَ) تلميحة أنهم لم يستأذنوه ـ فقط ـ في القعود ، بل وفي الخروج مع المجاهدين أيضا ليزيدوكم خبالا ، ولكن المحور في (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) هم الذين استأذنوه لعدم الخروج حيث (لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ..).
وهنا (لا يَسْتَأْذِنُكَ) علم حادث له (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ لو كان يعلمه لكان استئذانهم إياه علما له بكذبهم ، فلا يرد أنه لم يكن مأذونا في إذنهم حين أذن لهم ولا يعمه (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ).
إنهم أولاء الأنكاد البعاد (ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ) فى الحق (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ