إنسانية ، فليست الرسالة إذا لرسل الله ترجيحا دون مرجح.
وأما لما ذا صنع الله الاستعداد للحصول على جدارة الرسالة لبعض دون بعض ، فأرسل بعضا إلى آخرين؟ فذلك قضية الابتلاء والامتحان : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٤٣ : ٣٢).
فلو أنه خلقهم درجة واحدة وصنعهم كما يصنع الرسل لبطل الامتحان ، ثم وليس الكل يتماشون مع ما خلق الله لهم من إعداد الخير لو لا الإجبار ، فما دام الإختيار لا يصبحون في درجة واحدة من الجدارة مهما خلقوا في درجة واحدة من الإعداد والاستعداد.
ذلك ، والامتحان في توفر المعدات للوصول إلى الكمال القمة أعلى من عدمه ، فلو أن الناس استووا في تلك المعدات القمة لم يكونوا ليستووا في جدارة نزول الوحي إليهم اللهم إلا خروجا عن الإختيار ، وفي ذلك بطلان الاختبار والتكليف.
(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)(٤٥).
ضابطة ثابتة لا تخطئ ، فالذين يؤمنون بالله واليوم الآخر لا ينتظرون الإذن في أداء فريضة الله بعد ما أمرهم الله وأكد لهم ، فهم لا يتلكأون في تلبية داعي الله نفرا في سبيل الله ، بل هم سراع إليها خفافا وثقالا طاعة لأمره ويقينا بلقائه وابتغاء مرضاته دونما حاجة إلى حثّ بعد ما حثهم الله فضلا عن الاستئذان.
أفبعد أمر الله المؤكد بالجهاد بالأموال والأنفس يستأذن رسول الله في ذلك الجهاد ، فضلا عن استئذانه في تركه ، إذا فمجرد استئذانهم للقعود قعود لهم عن الإيمان حين يكون الاستئذان للجهاد يشي بعدم الإيمان (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) إياه ، والطاغين دون حاجة إلى استئذان منهم وعدم استئذان ، فإنما ذلك البيان إعلان للرسول والذين معه ليعرفوا المنافقين في لحن القول.
ولقد كان أكابر المهاجرين والأنصار يقولون : لا نستأذن النبي (صلى الله