شخصية ، دائم المراقبة على نفسه بين طرفي المخاصمة إيمانا وكفرا ، ثم الإنفاق حالة النفاق عذاب على عذاب.
وثالث هو أوسع منها تحليقا على حياة المنافق والكافر تعينه (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) إذ لا مولى له يرتكن عليه إلّا دنياه المزعزعة التي هي دوما على شرف وشفا جرف جار من الزوال والسقوط والانهيار بأعداء له يتربصون كل الدوائر لاستلاب منصبه وماله ونفسه ، والمؤمن مولاه هو الله ، مطمئنا به قلبه دون تزعزع : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
(وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ)(٥٦).
(.. إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) بكل تأكيد «منكم» إيمانا صالحا دون أي فارق وفرق (وَما هُمْ مِنْكُمْ) في إيمان (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) فرقا بين القلب والقالب في إيمان ، إيمانا بألسنتهم ومظاهر أعمالهم ، وكفرا بقلوبهم ، كما و «يفرقون» فرقا بين المؤمنين بمكائد النفاق ، وذلك لأنهم «يفرقون» فرقا ، فرقين من المؤمنين فارغين من الإيمان ، يتظاهرون به ، ومن الكافرين فيسرون إليهم بالكفر : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (٢ : ١٤) ، فهم يعيشون ثالوث الفرق والفرق ، ومن فرقهم في فرقهم أنهم :
(لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)(٥٧).
«لو» أنهم بثالوث فرقهم وفرقهم «يجدون» ثالوثا : «ملجأ» يلجأون إليه من أعباء ظاهر الإيمان وتكاليف النفاق «أو مغارات» بمداخل الجبال يغورون فيها «أو مدّخلا» متدخّلا يتدخلون فيه بتكلف ، ف «لو يجدون» مفلتا من واقعهم المزري بسهولة : (مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ) أم بصعوبة «مدّخلا» (لَوَلَّوْا إِلَيْهِ) معرضين عن جو الإيمان والمؤمنين (وَهُمْ يَجْمَحُونَ) : مسرعين بوجه لا يرد وجوههم شيء.