فهم لعناء جبناء ، متطلعين أبدا إلى مخبأ فيه يختبون ، أو مأمن إليه يأمنون ، أو مدّخل فيه يدّخلون ، مذعورين مطاردين ، ومن تخوفهم منكم حلفهم بالله (إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) ثم ومنهم (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) هناك بحلف إذ لا يصدّقون ، وهنا دون حلف إذ يصدّقون.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ)(٥٨).
اللمز هو الاعتياب ، والهمز الاغتياب ، وقد يكون اللمز همزا إذا كان الاعتياب اغتيابا ، أو الهمز لمزا إذا كان الاغتياب اعتيابا ، وقد ينفردان كاعتياب دون اغتياب فهو لمز دون همز ، أو اغتياب دون اعتياب فهمز دون لمز ، والذين كانوا يلمزون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصدقات كانوا يعتابونه حضورا وغيابا ، فهم ـ إذا ـ هامزون لامزون ، و (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)!.
هؤلاء يلمزونك في الصدقات أخذا وإعطاء ، لماذا تأخذها : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) أم تأخذ كثيرا ثم هكذا تعطيها ونحن محرومون أم ناقصون في العطية (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها) كما يهوون «رضوا» بظاهر الحال (وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها) كما يهوون (إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) عليك ، وهؤلاء هم ثلثا الناس (١) أو يزيدون.
وليس ذلك اللمز منهم في الصدقات رعاية لعدل ، أم حماسة
__________________
(١) في الكافي باسناده عن إسحاق بن غالب قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) يا إسحاق كم ترى أهل هذه الآية : (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ)؟ قال : هم أكثر من ثلثي الناس.
وفي تفسير القمي في الآية أنها نزلت لمّا جاءت الصدقات وجاء الأغنياء وظنوا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسمها بينهم فلما وضعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الفقراء تغامزوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولمزوه وقالوا : نحن الذين نقوم في الحرب ونغزو معه ونقوي أمره ثم يدفع الصدقات إلى هؤلاء الذين لا يعينونه ولا يغنون عنه شيئا فأنزل الله الآية ، ثم فسر الله عزّ وجلّ الصدقات لمن هي وعلى من يجب فقال : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ...).