(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ)(٤٨).
و «من قبل» هنا منه يوم أحد حيث تخلف عبد الله بن أبي سلول بثلث القوم خذلانا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإضلالا للذين معه (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) التي كانت مؤاتية لصالح الحرب حيث عملوا دعايات مضادة لها بين صفوف المؤمنين (حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) نصرة بعد النسكة (وَهُمْ كارِهُونَ) مجيء الحق وظهور الأمر ، متربصين عليه دوائر السوء ، عليهم دائرة السوء ولكنهم لا يعلمون.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٤٩).
هؤلاء الأنكاد الأغباش ، ومنهم جد بن قيس حين يقول له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا جد هل لك في جهاد بني الأصفر؟ قال : أتأذن لي يا رسول الله فإني رجل أحب النساء وإني أخشي إن أنا رأيت نساء بين الأصفر أن افتتن ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو معرض عنه : قد أذنت لك ، فأنزل الله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي)(١) (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) بأنفسهم المفتونة الفاتنة ، فلم يفتنهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بترك الإذن لقعودهم ترغيبا في بنات بني الأصفر خلاف ما يروى (٢).
ويا له من مشهد مرسوم يرسم لهم كأن الفتنة فيه هاوية وهم فيها ساقطون ، فهم هنا في جحيم الفتنة التي أججوها بذات أيديهم ماقتون ، ثم هم فيما أججوه خالدون (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) فكفرهم
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٤٧ ـ أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لجد بن قيس : ...
(٢) وفيه أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : اغزوا تغنموا بنات بني الأصفر فقال ناس من المنافقين انه ليفتنكم بالنساء فانزل الله هذه الآية.