وفتنتهم هما جحيمهم التي أججوها من ذي قبل : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
هذه جهنم هنا وهناك تأخذ عليهم كل المنافذ والمتجهات فلا يفلتون.
ذلك ومن أحوالهم المزرئة ضد هذه الرسالة السامية :
(إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ)(٥٠).
(إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ) في حرب وسواها ، من غلبة وغنيمة وسواهما «تسؤهم» ثم (وَإِنْ تُصِبْكَ) رمية «مصيبة» على أية حال (يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا) لصالحنا حيث قعدنا عن الحرب «من قبل» ثم «ويتولوا» عن جنابكم إلى نواديهم (وَهُمْ فَرِحُونَ)(١) رغم أن المؤمنين هم فرحون!.
ذلك بأنهم (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) حاسبين السيئة شرا في كل حال ، والحسنة خيرا بأي مجال ، رغم أن الحياة سجال بين مختلف الفتن تمحيصا للمؤمنين وتقليصا للكافرين ، وهنا الجواب كلمة واحدة هي :
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(٥١).
فحيث نمشي ونمضي بأمر الله إلى جبهات القتال ، إذا ف (لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) قتلا لأجل مسمى فلا ضير ، بل هو خير في سبيل الله ، أم لأجل معلق على القتال فكذلك الأمر ، حيث علّق على
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٤٨ ـ أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال : جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبار السوء يقولون : إن محمدا وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغتهم تكذيب حديثهم وعافية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه فساءهم ذلك فأنزل الله تعالى : «أن تصبك ..».