يستحق نارا ولا جنة ، ولأن دار الحساب لا تخلو من جنة أو نار ، فهم ـ إذا ـ من أهل الجنة قضية رحمة الله الواسعة ، ثم المقصرين غير الكافرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم بما قصّروا ، أو يتوب عليهم بما قصروا ف : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً)(٤ : ٩٩).
فهؤلاء الآخرون (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) وهم بين من (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) ومن هم (مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) و (عَسَى اللهُ) تقدم الأوّلين حيث الآخرون (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) قضية استحقاق للعذاب (١).
وعلى أية حال هم التائبون لمكان (إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) حيث التوبة من الله ليست إلّا بعد التوبة من العبد.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ١٦ : ١٩١ قال ابن عباس نزلت هذه الآية في كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية فقال كعب : أنا أخره أهل المدينة جملا فمتى شئت لحقت الرسول فتأخر أياما وأيس بعدها من اللحوق به فندم على ضيعه وكذلك صاحباه فلما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قيل لكعب : اعتذر إليه من ضيعك ، فقال : لا والله حتى تنزل توبتي وأما صاحباه فاعتذر إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : ما خلفكما عني فقالا : لا عذر لنا إلا الخطيئة فنزل قوله تعالى : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) فوقهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد نزول هذه الآية ونهى الناس عن مجالستهم وأمرهم باعتزال نسائهم وإرسالهن إلى أهاليهن فجاءت امرأة هلال تسأل أن تأتيه بطعام فإنه شيخ كبير فإذن لها في ذلك خاصة وجاء رسول من الشام إلى كعب يرغبه في اللحاق بهم فقال كعب : بلغ من خطيئتي أن طمع فيّ المشركون ، قال : فضاقت على الأرض بما رحبت وبكى هلال بن أمية حتى خيف على بصره فلما مضى خمسون يوما نزلت توبتهم (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ) و (عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ).