فقد نسوا نصيبهم من الدنيا ذريعة للآخرة ، ذلك لأنهم «استمتعوا (بِخَلاقِهِمْ) متعة الحياة الدنيا ، (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) استمتاعا متشابها بين سلف وخلف في الخلاق ، خلاق الحياة الدنيا بحذافيرها ، التي خلقها الله لصالحنا ، ولكنها اختلفت عن صالح مغزاها بسيّئ الخلق إبصارا إليها فأعمتهم ، دون إبصار بها حتى تبصّرهم.
كما «وخضتم» في آيات الله ناكرين مستهزئين (كَالَّذِي خاضُوا) : كما خاضوا ف (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) سلفا وخلفا (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) كأن لا خاسر سواهم.
و «أعمالهم» هنا هي الحسنة في نفس الذات حيث السيئات هي حابطات دون إحباط ، فأعمالهم الحسنة التي قد تفلت من ذات أيديهم حابطة غير ثابتة إذ (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) فهي حابطة في الآخرة ليس لهم بها فيها من أجر ، ثم أعمالهم التي يعملونها في الدنيا لإزهاق الحق وفّت ساعده وكسر عضده ، هي حابطة فيها إذ لا يقدرون أن يضروا الله بها شيئا ، فإنما النافع لهم منها في هذه الأدنى متعة الحياة الدنيا ليس إلّا.
وهنا ضمير الجمع في «خاضوا» غير راجع إلى «الذي» حتى يصبح ممسكا على أدب القرآن لهؤلاء الذين ليس لهم أدب إلّا الخوض في آيات الله البينات ، بل هو راجع إلى (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) و «الذي» هو عبارة أخرى عن أصل الخوض ، تعني «كما خاضوا» (١). ولأن زيادة المباني تدل على زيادة المعاني ، فقد تعني «الذي» هنا بديلا عن «ما»
__________________
(١) فضمير الصلة للموصول هو غائب مفرد «خاضوه» راجعا إلى «الذين» وليس الراجع هو ضمير الجمع في «خاضوا» حتى يخالف الأدب خلافا لخلاف الأدب من هؤلاء الخائضين في القرآن ، فقد حاولوا طول القرون القرآنية أن يمسوا من كرامة وحيه فلم ينالوا ما يبغون ، رغم الكثير من أتعابهم في هذه البغية الظالمة ، مما يدل على صالح الوحي القرآني دون آية نقطة سوداء في أدب اللفظ وحدب المعنى.