رخيصة تافهة ، قلقة مفزعة ، تخاف من ظلها ، وتفرق من صداها ف (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) و (لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ ..) رغم كل ذلك نجدهم يؤدون ضريبة أفدح من ضريبة الكرامة ، حيث يؤدون ضرائب الذل من كل أنفسهم ونفائسهم وهم لا يفقهون أن لهم كل الشرور وهم الفالجون المفلجون :
(لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(٨٩).
«لكن» هؤلاء هم طراز آخر حيث أدوا كل ضرائب الإيمان ، رسوليا من الرسول ورساليا من الذين آمنوا معه ، ف (جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) في كل ميادين الجهاد (وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ) كلها (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) في ملتويات الحياة هنا وفي الأخرى ، ومن الأخرى : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
(وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٩٠).
هنا (الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) هم قسم آخر من الخالفين ، فالأعراب هم أهل البوادي ، البعيدون عن صالح المعرفة الإيمانية ، وإنما «المعذرون» دون «العاذرون ـ أو ـ المعتذرون» لتشمل إلى هؤلاء من يعتذر لمن سواه ، اعتذارا لأنفسهم إعذارا ولمن سواهم.
ثم (قَعَدَ الَّذِينَ) دون «قعدوا» تلمح أن المعذّرين لم يقعدوا كلهم ، إنما هم (الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) والآخرون خرجوا كما خرج الآخرون ، ولذلك (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) وهم (الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) منهم (عَذابٌ أَلِيمٌ).
ثم (كَفَرُوا مِنْهُمْ) : «المعذرون» دليل أنهم بين كافر نفاقا ، وبين معذور يعتذر لنفسه ولمن أشبهه ، وبين غير معذور قد يخرج وقد لا يخرج والأولون من المعذرين هم المهددون بعذاب أليم.