وافتعلت حتى دفعته أن يسجنه بتهمة الخيانة ، وظل بضعه في سجنه في ظل هذه التهمة الوقحة ، فكيف يخرج دون ان يقضي عليها؟.
أجل لقد كان لزاما على يوسف قوله (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) تذرعا إلى رفع التهمة ، ولزاما عليه إلّا يخرج بطلب الملك إلّا بعد زوال التهمة ، و «ذلك» القول وعدم الخروج إلّا ببرائته «ليعلم» العزيز ومعه من معه من الملك وسواه (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ) في قصة المراودة «بالغيب» إذ كان غائبا.
«وليعلم» على علمه (أَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) كامرأته ونسوة في المدينة ، ومعهن العزيز والملك في خيانتهم المكرّسة وشيطنتهم المدروسة ، فلو أنني كنت من الخائنين ، والجهاز الفرعوني مصرّ على أنني خائن فكيف اهتديت إلى برائتي بشهادتهم هؤلاء أنفسهم؟ ثم (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) ضابطة تضرب إلى مثلث الزمان ومختلف الكائن والمكان ، وقد أقام الله تعالى فيها كيد الخائنين مقام الخابط في طريق ليصل الى مضرة المكيدة وهو عنه غافل ، فأعلمنا سبحانه انه لا يهديه حيث لا يوفقه لإصابة الغرض ، ولا يسده لبلوغ المقصد ، بل يدعه يتخبط في ضلاله ويتسكع في متاهه ، حيث يسري في معصية الله فلا يستحق ان يهدى لرشد او يتسدد لقصد.
ولأنهم كانوا خونة بحقي بكل المكائد الفرعونية ، نسائية ورجالية ، لم يكن الله ليهدي كيدهم إلى بغيتهم : دراسة متينة ونصيحة مكينة من الصديق السجين لرجال البلاط ونساءه ولمّا يخلص من السجن!
ولأن (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) تلمح كأنه بحوله ـ فقط ـ وقوته ترك تلك الخيانة فلم يصب إليهن ، يثنّيها بما يزيل غشاوة الإيهام والإبهام بقوله : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) عن الخيانة وهمها ل (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) نفسي