والعبرة هيئة خاصة من العبور ، فهي ـ إذا ـ انتقالة من حالة إلى أخرى أحسن منها : من غفلة إلى ذكرى ، وذلك طبيعة الحال في أولي الألباب ، وهي لباب العقول ، فحين يستعمل العقل سليما تتحلل عن القشور الحاجبة ، فتصل إلى الأوامر الواجبة.
«ما كان» قصص يوسف وإخوته ، ولا كل القصص القرآنية (حَدِيثاً يُفْتَرى) أن يفتريها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على الله دونما وحي ، فلو كان القرآن مفترى والتورات والإنجيل وحيا لكان كلام البشر أفضل وأتم من كلام الله : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٠ : ٣٨).
ف «ما كان» دون «ليس» نفي باتّ مؤكد عن كينونة القرآن أن يفترى من دون الله ، بطبيعة الحال في القرآن نفسه حين يتدبر في آياته وتقاس بسائر الوحي السابق عليه ، حيث الرجاحة في القمة باهرة فيه دون ريب يعتريه.
وهنا للقصص القرآن او القرآن ككل مواصفات عدة مستفادات من القرآن نفسه دون ادعاءات خاوية عن البرهان :
(١) (عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) حيث ينقلهم من حالاتهم الرديئة جهلا وجهالة وغفوة وغفلة إلى حالات حسنة بديعة علما وذكرى ونبهة وحفوة.
(٢) (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى) كما يعرف من تدبّره وقياسه إلى سائر الوحي.
(٣) (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من وحي ناصع واصب ، ومن حديث الفرية ما كان من أهل الكتاب إذ يرون خلافات بين هذا القرآن